ثقافة

التشاركية بين الكمان والفيولا في مهرجان العزف المنفرد

بدت مقولة أحلام مستغانمي “أيتها الحياة دعي كمنجاتك تطيل عزفها” قريبةً من الحاضرين في إحدى أمسيات مهرجان العزف المنفرد في الأوبرا،التي جمعت بين عازفة الكمان نورا صليبي وعازفة الفيولا راما البرشة،حينما أنصت بإصغاء مطبق إلى الألحان المنبعثة من كل آلة على حدة،وتفاعل أكثر في التشاركية بتقديم أنموذج من موسيقا ثنائي الحجرة بينهما.
تميّزت الأمسية ببرنامج صعب يعود إلى عصر الباروك،واستخدمت العازفتان تقنية تعدد الأصوات والتدرج الصوتي،وتقنية البيزيكاتو أي النقرعلى الوتر بلا قوس.
بدأ بباخ البارتيتا الثانية –ساراباند وجيغ فيولا،والشاكون كمان،لتتشاركا في وينستل ومارتن غريسن وهارفلسون –بسكاليا.
الأمر اللافت هو تمكن كل عازفة من إظهار خصوصية الآلة وتقنياتها،والملفت أيضاً عدد الحضور الذي يؤكد نجاح هذه التجربة لاسيما أنه اعتاد على حضور أمسيات الفرق الأوركسترالية والفرقة السيمفونية الوطنية،مما يدل على قدرة الجمهور السوري على التحليل الموسيقي والتثقيف الذاتي من خلال الإصغاء إلى آلة واحدة،أو التشاركية بين آلتين من روح واحدة.
بسكاليا والطابع الإسكوتلندي
ومن المعروف أن الفيولا والكمان من روح واحدة وتنتميان إلى عائلة الوتريات،والفيولا تجمع بين خصائص الكمان والتشيللو،ولها أحجام مختلفة وتمتاز بصوت أحنّ من صوت الكمان،يميل نحو اللون الحزين المنبعث من أوتارها،وأوضحت عازفة الفيولا راما البرشة بأن الصعوبة كانت بإيجاد أعمال كُتبت لهاتين الآلتين،وركزت على استخدامها تقنية “البيزيكاتو” قي مقطوعة وينستل حركة أولى –ورقصة،وهي مقطوعة خفيفة ليست من الموسيقا الجادة،أما العمل المشترك مارتن غريسن الذي تألف من حركة أولى متوسطة السرعة،وحركة ثانية أغنية،وحركة ثالثة سريعة والتي كانت ذات طابع اسكتلندي وتمتاز بلحن غريب،فبدأت بالنقر على الوتر “البيزيكاتو” مع عزف الكمان،لتنتقل هذه التقنية فيما بعد إلى الكمان مع عزف الفيولا،واتصفت هذه المقطوعة بسرعتها وتقنياتها الصعبة،بينما كانت مقطوعة (بسكاليا ) لهارفلسون ذات طابع مختلف كما ذكرت العازفة إذ اتصفت بالتنويع على لحن واحد (أحد عشر تنويعاً على لحن واحد).
في العمل المشترك بدا التقارب واضحاً بين العازفتين بتبادل إيماءات كان لها دور بإظهار دور الكمان كونه الآلة الأساسية في عائلة الوتريات،لتأخذ الفيولا دورها أيضاً في بعض المواضع كآلة أولى،ومن خلال هذه التشاركية تسربت رويداً رويداً ملامح التقارب بين الآلتين اللتين تتقاطعان بثلاثة أوتار وتختلفان بالرابع.
صوت يرافق اللحن
أبدعت عازفة الكمان نورا صليبي بعزف مقطوعة “الشاكون” لاسيما بإظهار صوتين مختلفين،وأوضحت بأنها مقطوعة “كونتربوان” وليست مقطوعة هارموني،من عصر الباروك لباخ –البارتيتا الثانية،وتمتاز بتعدد الأصوات وخاصية استمراريتها من خلال صوت ثخين يرافقه اللحن،ويتبدل انعكاس الصوت بين الارتفاع والانخفاض،وقد أنصت الجمهور بإصغاء إلى هذه التقنية التي لاتبدو واضحة ضمن العزف الأوركسترالي،وتابعت حديثها عن دور الكمان في التشاركية مع الفيولا بإيجاد لحن جميل.
البرنامج كان بإشراف الموسيقار رعد خلف،فالعازفتان من عازفات أوركسترا ماري ولهما مشاركات دولية،ونجاحهما بتقديم هذا البرنامج الصعب يشير إلى التقدم الموسيقي للجيل الجديد.
ملده شويكاني