ثقافة

الأفـلام الـحـائـزة جـوائـز مـهـرجـان سـينما الـشـباب

تنوّعت الأفلام الفائزة بجوائز مهرجان سينما الشباب فبعضها تناول تبعات الأزمة وانعكاساتها على كل مناحي حياتنا،وأخرى تطرقت إلى فلسفة العنف التي تنسحب من المحيط العام إلى تفاصيل سلوكياتنا اليومية،في حين اقترب بعضها من الوجدانيات فبحث بعمق المشاعر الضائعة.وربما تعاطف بعض الحاضرين مع فيلم ما كان قريباً من ذاتهم لكنه لم يحصل على أية جائزة هذا حال كل المهرجانات،لأن لجنة التحكيم هي الأقدر على الاختيار.
العنف الداخلي والخارجي
ومن الأفلام الحاصلة على جوائز فيلم “صدى”إنتاج المؤسسة العامة للسينما -سيناريو وإخراج كريستين شحود –مدته 13دقيقة -تمثيل جمال العلي ورغداء هاشم وإبراهيم منعم وأمير برازي ودالين سعد.حصل الفيلم على جائزة أفضل سيناريو وهو من النوع التوصيفي الذي يترك المجال للكاميرا لتوصيف الحدث بصمت،ويتطرق الفيلم إلى الصدى الذي يحدثه العنف الدائر حولنا من جميع الجهات،ومدى تأثيره العميق على الشخصية الذي يؤدي إلى انحرافات وسلوكيات عدائية تجاه الآخر.ومن خلال منزل عربي كبير في سوق ساروجة وحارة دمشقية تمكنت المخرجة وكاتبة السيناريو شحود من إيضاح صور متداخلة للعنف الذي يبدأ من المحيط العام من نشرات الأخبار التي تصوّر جثث القتلى والدماء المنسكبة على فضاءات الأمكنة إلى التخريب والدمار،لينسحب هذا العنف على سلوك الابن الطالب في المرحلة الثانوية لينهال عليه بالضرب المبرح المصاحب للعنف اللفظي،في حين تبقى الأم صامتة إزاء هذا العنف دون أي تدخل لتعبّر برمزية ودلالية عن الذين اتخذوا موقفاً حيادياً تجاه الأزمة التي تطال سورية متمثلين اللون الرمادي،لتدخل المخرجة في تحليل فرضيات عدة للعنف مكونة من خلالها فلسفة العنف،فمن المنزل إلى المدرسة حيث يتعرض الطالب أيضاً للضرب من قبل زملائه،فيحاول أن يجد لنفسه مساحة خاصة فيلجأ إلى الألعاب الإلكترونية على برامج الحاسب فيغلب عليها طابع العنف أيضاً،فتدخل المخرجة بدائرة مشهد داخل مشهد لنرى العائلة تجتمع على مائدة الطعام في الوقت الذي ينقض فيه الابن ويطعن الأب بالسكين عدة طعنات ليجسد عالمه الداخلي ونوازعه تجاه الأب،في المشهد الأخير يعود الابن إلى الواقع ويتمسك بالنوازع الإيجابية بتأثير جارته ليلى التي تلجأ إلى إيجاد عالم افتراضي لها بعيداً عن كل مايحيط بها بلجوئها إلى الموسيقا والرقص على أنغامها،وكأنها ترد على عالمهم العنيف بالفنون والموسيقا.كانت أغلب المشاهد صامتة باستثناء حوارات مقتضبة بين الأب والابن يشوبها العنف الجسدي واللفظي.
الارتباط بالهوية
وحصل فيلم “الحاجز” على جائزة أفضل إخراج –إنتاج المؤسسة العامة للسينما –سيناريو وإخراج سندس برهوم –تمثيل سندس برهوم،أكثم حمادة،شادي قاسم،والطفل آدم سيجري،مدته 7دقائق،حللت من خلاله المخرجة برهوم مفهوم الحاجز الذي وُجد لحماية الناس من غدر السيارات المفخخة،لكنه يتحول إلى فاصل زمني يفصلنا عن الواقع الذي نعيشه في دقائق انتظار اجتياز السيارة الحاجز، ومن ثم تفتيشها وطلب الهوية الشخصية ورؤية الرقم الوطني،في ظل هذه الأحداث البسيطة تبحث المخرجة عن مدى تأثير الحاجز على الأطفال من خلال شخصية الأم وابنها،ويتصاعد الحدث في لحظة تقلب الموازين لدى الطفل فبعد أن كان يغني في السيارة ريثما تجتاز والدته الحاجز يفكر بالهوية التي هي رمز الارتباط بالوطن،وأنه أيضاً معني بالأزمة وبالوطن،لنراه في المشهد التالي يبرز هويته للجندي من النافذة لكن الجندي يتركها بيده بإدهاش،لتفاجئنا المخرجة في المشهد الأخير وهي تبحث عن الصغير في أرجاء المنزل بأنه يوصد باب غرفته ويحاول تشكيل هويته من الأوراق المبعثرة.

يوميات الموت
وتميزّ فيلم المخرجة ندين تحسين بيك “روزنامة” إنتاج المؤسسة العامة للسينما سيناريو رامي كوسا –تمثيل وسيم قزق،الحاصل على الجائزة الفضية في المهرجان –مدته 15دقيقة بإخراج مختلف.يسرد الفيلم بفنية غير مباشرة يوميات الأزمة المحمّلة بالموت الذي يحصد كل يوم الأبرياء من المدنيين والأطفال في كل مكان،وهذا ما يسوغ اختيار منطقة ريفية منعزلة لتجمع سكاني،لتنتقل الكاميرا إلى الطرف المقابل إلى بائع الغزلة الذي يوثق يوميات الأزمة في منزله وهو يصنع الغزلة،فكلما سمع دوي انفجار قنبلة أو سقوط قذيفة أو استمع إلى خبر عاجل من نشرات الأخبار يسحب ورقة من الروزنامة ويؤشر عليها ويعلقها على الجدار في الوقت الذي لم يعد يتسع لمزيد من الأوراق،وفي مستوى آخر من السرد الحكائي نرى البائع يتجول في المنطقة الريفية ليبيع الأطفال الغزلة وينشر الفرح بينهم ليخرجهم من أجواء الأزمة،لكن الأحداث الإرهابية لاتتوقف ولا تفرق بين الكبار والصغار ففي لحظة غادرة يتبعثر كل شيء إزاء الانفجار ويتحول الفرح إلى موت،لتبقى عجلة الدراجة دائرة إيماءة إلى دورة الزمن وتعاقب يوميات الأزمة.

الاستغناء عن الآخر
وكانت لجنة التحكيم الخاصة قد منحت جائزتها لفيلم “مهملات” إنتاج المؤسسة العامة للسينما سيناريو وإخراج فاضل المحيثاوي تمثيل مازن عباس،كنان العشعوش،شادي كيوان،مدته 13، وتميز الفيلم باختلاف مضمونه وسبره عوالم المشاعر الوجدانية وتحليل المشاعر المختلطة بين الرفض والقبول،لكن الركيزة الأساسية للفيلم هي الاستغناء عن الآخر في لحظة دون النظر إلى الوراء.نفذ المخرج فيلمه بتداخل الصورة الحقيقية مع الافتراضية من خلال محل ألبسة ووجود مانيكانين لشاب وفتاة تنشأ بينهما علاقة عاطفية،يترجمها المخرج بخروج أشخاص حقيقيين من المانيكانين ورقصهما رقصة عاطفية،ويدخل المخرج مباشرة بحدة المفارقة حينما تنكسر يد المانيكان فيضعه صاحب المحل في لحظة بسلة المهملات الكبيرة ويأتي بمانيكان آخر يأخذ مكانه،فيحاول استمالة الفتاة برقصة رغم أنها تعيش مشاعر متناقضة بين تعلقها بالشاب السابق وقبولها الآخر.ينسحب الفيلم برمزية على كل مناحي حياتنا العملية والخاصة،ويبقى دور الممثل مازن عباس غامضاً ينظر باستغراب إلى المانكانين وهو يتكلم بالهاتف ويقول:إنه في مكان التصوير، كإيماءة ربما إلى شاهد الزمن.
ملده شويكاني