ثقافة

موضة وتقليد؟!

بشرى الحكيم
بالرغم من أنها تعتبر الحدث الأهم الذي شهده عصرنا الحالي في بداياته، وبالرغم من دور الفن في رصد الأحداث الكبرى، إلا أن السينما تحديداً لم تقدم أعمالاً تتحدث عن الحرب وتفاصيلها إلا بعد مضي سنوات عديدة، كان منها حصان الحرب المأخوذ عن رواية تحمل العنوان ذاته، دروب المجد، الجبهة الغربية، وسواها من أفلام تناولت الحرب مباشرة، أو قاربت ذلك من خلال أحداث دارت حينها، يأتي في إطارها فيلم “لورنس العرب” الذي جسّد صراع بطله البريطاني بين ولائه للهوية والانتماء، وبين إخلاصه لأصدقائه العرب الذين تأثر بهم.
اليوم والحرب تدور رحاها على أرض الوطن، في أحداث تقارب الحروب العالمية في الأهمية، وتداخل الملابسات والتفاصيل، وتشابك الأيدي التي تحاول العبث بها بطريقة أو بأخرى، كل هذا والبعض يتساءل عن جدوى تناول الأزمة، وهي في قمة غليانها، معتبراً أن تناولها في الدراما بات نوعاً من الموضة والتقليد”، فهل نقول عن أعمال المتميز باسل الخطيب، تلفزيونية كانت أم سينمائية التي قاربت الأمر بأنها نوع من الموضة، وأن ما هو مقبل على تقديمه في فيلم الأب هو نوع من تقليد ما أنجزه المخرج نجدت أنزور في فيلمه “فانية وتتبدد”، نقول ربما يصح ذلك إذا كان ما يقدمه هؤلاء حول ما يحدث هو نوع من ماركة أو موضة لها مواسم تبدأ وتنتهي بمواقيت محددة.
في اتصال لقناة المنار سُئل المخرج نجدت أنزور عن جدوى تناول ظاهرة داعش التي تنشر إرهابها طولاً وعرضاً في أصقاع الأرض، وإن كانت هناك خشية من أن الخطوة تصب في صالح التنظيم؟ فقال: إن ما نعيشه اليوم يحتاج منا وقفة، وعلى هذه الظاهرة ألّا تمر دون أن تكون للسينما بصمتها، وللفنان دوره في إلقاء الضوء وتسليطه على هذه الظواهر الخارجة عن الإنسانية، وأضاف بأن المقاومة سبيلنا الوحيد للتخلص من هذا الإرهاب الذي يعيث فساداً في كل أرجاء الوطن، وعلى الكاميرا أن تكون مقاومة، تقف إلى جانب البندقية، تلازمها كإعلام حربي.
أما “موضة” فتسمية يمكن أن تُلحق بأعمال عديدة، منها ما تناول البيئة الشامية التي باتت سمة للمواسم الرمضانية لعقد من الزمن أو كادت، وهي أعمال تفاوتت سويتها، لكنها في غالبيتها، “إلا بعضها”، كانت خياراً لم يخدم أية قضية أو شأن عام، إن لم نتحدث عن الأثر السلبي الملموس محلياً، وفي الخارج، لكن تناول الأزمة وأحداثها، وتعرية الجهات التي تعبث بمقدراتنا، وتدمر أحلامنا، ليس خياراً، إنما هو ضرورة واجبة على كل من يمتلك القدرة، والمساحة لرفع الصوت، وطرح الموضوع، وهو أمر يأتي في خدمة الوطن وصالحه، بل إن تحييده من بين الخيارات لهو دليل ضياع وارتباك، خصوصاً أن الخصم لم يكتف بما أتاحته له الفضائيات الموضوعة في خدمته إعلامياً لتلميع صورته، بل إنه لا يتأخر في التسويق لنفسه من خلال أعمال تضاهي الأعمال الكبيرة فنياً وتكنولوجياً، لنشر إرهابه وفكره، وعليه فالمواجهة لن تكون محصورة بالسلاح التقليدي، وعلى الفن أن يكون حاضراً في كل منازلة لا أن يكون وسيلة ترفيه فقط، بل أن يكون الأداة القوية والملائمة لإيصال الرسائل الصحيحة، وتصحيح ما فسد منها.