ثقافة

في حوار حول تجربته الموسيقية وتأسيسه فرقة بيركومانيا سيمون مريش: حلمي خلق جيل موسيقي يساهم ببناء البلد

“كل فرد في الحياة يختار الأدوات القريبة من ذاته والتي من خلالها يعبّر عن إحساسه وأفكاره وهاجسه المؤرق”
بهذه الكلمات بدأ الموسيقي سيمون مريش حديثه لـ “البعث”،والذي دفعه عشقه إلى تأسيس أول فرقة إيقاعيات في سورية (بيركومانيا)،وتأليف برامج خاصة مستمدة من موسيقا الشعوب الإيقاعية،وترجمة الحالة الدرامية لعدة مسرحيات والمشاركة بالأعمال الأوركسترالية الضخمة،بعدما عاش منذ طفولته في عوالم الموسيقا الإيقاعية بدءاً من فرقة الكشاف التي تعلم من خلالها أصول الموسيقا،إلى آلة الدرامز التي شُغف بها وتعلم مبدأ الإيقاع من نغماتها،فهي كما ذكر جزء من المكونات الموسيقية (الإيقاع –اللحن –الهارموني) والكلمة إذا كانت المقطوعة ترتبط بالغناء،فالتركيز على الإيقاع يعني التركيز على أحد أهم  عناصر الموسيقا.
أثناء دراسته في المعهد العالي للموسيقا درس مع الأستاذ سيرغي خودينيف،والأستاذ فيكتور بابينكو وبعد تخرجه عمل أستاذاً في المعهد،ثم انضم إلى عدة فرق،فتعرّف إلى أنماط موسيقية متعددة أكسبته خبرة بالأداء الموسيقي وتراكمات معرفية بعالم الموسيقا،فمن الفرقة الوطنية السيمفونية السورية إلى فرقة موزاييك إلى فرقة كلنا سوا إلى موسيقا على الطريق إلى تشكيل أول فرقة رباعي جاز،لكن الحلم الذي يسكنه لم يفارقه وبقي هاجسه المؤرق تشكيل فرقة صغيرة تعتمد فقط على الإيقاعيات،ومن هنا انطلق إلى تحقيق حلمه وكانت البداية،فتوقفنا عند هذه المرحلة.
التأثير الجمعي
ارتبط وجود الموسيقا الإيقاعية في مناطق معينة مثل أمريكا اللاتينية والبلدان الأفريقية والبرازيل،وتتميز بوقع تعبيري وتأثيري يؤجج الإحساس الجمعي،فارتبطت بأعمال موسيقية ذات طابع درامي، تسرد وقائعَ حكائية أو أحداثاً تاريخية كحضورها الواضح في الأعمال الأوركسترالية الضخمة المعبّرة.والآلات الإيقاعية –كما ذكر مريش -كثيرة ومتنوعة فهي مجموعة كبيرة لاتعدّ ولا تُحصى وبعض الآلات الإيقاعية فيها بعد لحني مثل الماريمبا والفيبرافون والزيلوفون التي تشبه البيانو، وتتألف من قضبان من الخشب أو المعدن يعزف عليها بمضارب،وآلات الطبول المألوفة وآلات المؤثرات الصوتية وآلات النقر الصغيرة كلها تندرج ضمن الآلات الإيقاعية.
ويتابع:شغفي بالآلات الإيقاعية جعلني أسس فرقة بيركومانيا المكونة من الطلاب والخريجين وأساتذة الإيقاع في المعهد العالي للموسيقا.
بيركومانيا
تميزت فرقة بيركومانيا بحضور موسيقا أمريكا اللاتينية كونها تعتمد على الإيقاعيات ومن خلال فرقتنا عملنا مع الموسيقار نوري رحيباني كارمينا بورانا،وفيكتور بينكو قدمنا القداس الأرجنتيني لآريل راميريز وأحياناً نستضيف عازفي آلات أخرى.والآن تشارك فرقة بيركومنا كضيف دائم مع أوركسترا ماري التي تحتاج إلى كادر محترف بالإيقاعيات كونها تعتمد على الأعمال التي يؤلفها الموسيقار رعد خلف وبعضها مستمد من روح الحضارات القديمة.
ويتابع مريش حديثه عن البرامج التي تقدمها بيركومانيا وهي من أنماط موسيقية مختلفة مثل المقطوعات الكلاسيكية والأعمال الغنائية (فوكل) إضافة إلى الأعمال الأوركسترالية،وفي منحى آخر يُعنى بتقديم برامج خاصة في أماكن اجتماعية تكون قريبة من الحضور الاجتماعي،متوخياً تقديم برامج ذات سوية عالية بغض النظر عن التعقيد أو البساطة.
ومن خلال حوارنا وصلنا إلى المرحلة الأهم،وهي المؤلفات التي يكتبها مريش بشكل خاص إلى الفرقة فيضيف:هي مجموعة قطع موسيقية تعبّر عن تأثري بأنماط موسيقية متعددة،وجزء منها ينتمي إلى أصول الموسيقا الشعبية،ومن هذه المقطوعات “حول العالم في ثمانين يوماً”الذي يبدأ من موسيقا البرازيل إلى موسيقا السامبا إلى كوبا السالسا إلى إفريقيا افرو إلى المغرب كراتشي والبطايحي ومصر البلدي وفلسطين اللف والعراق الهوى،ومؤخراً أضفتُ مقطوعات لها علاقة بالموسيقا الهندية والتايكو الياباني والصيني.ونعود إلى موسيقا بلاد الشام،فمن المعروف أن الموسيقا الإيقاعية تشغل حيزاً ضئيلاً من الموسيقا السورية،ترافق بعض الأنماط الموسيقية وتحضر بشكل كبير في الأناشيد الدينية الإسلامية وفي حلقات الذكر والمولوية،وتكثر في الموسيقا الشعبية والمرتبطة بالقرى مثل موسيقا الاحتفالات بالزواج والولادة،والموسيقا التي ارتبطت بمواسم الحصاد،والتي تعد آلات الطبول أساسية فيها.

الموسيقا الإيقاعية المسرحية
عشق مريش للإيقاعيات وخاصة آلات المؤثرات دفعه إلى توظيفها في تقديم أمسيات موسيقية ذات طابع مسرحي قُدمت على خشبة الأوبرا،وعلى نطاق أوسع استخدمها مريش في الأعمال المسرحية التي ألّف الموسيقا التصويرية لها،والتي تتطلب مادتها الدرامية ألحاناً إيقاعية،مثل مسرحية الطريق إلى الشمس لممدوح الأطرش،وجسور للدكتور تامر العربيد،وهستيريا للأستاذ جهاد سعد، وهوب هوب لعجاج سليم، إضافة إلى مجموعة مسرحيات أخرى أداء “لايف”.

الأولوية للتدريس
فرقة بيركومانيا مع كل الفرق كانت شاهداً على التطور الموسيقي الكبير الذي حققته سورية من خلال المعهد العالي للموسيقا ..ومؤخراً احتفل المعهد باليوبيل الفضي لتأسيسه، وقد أشاد مريش بالمعهد الذي حقق حضوراً واضحاً مقارنة مع المعاهد الخارجية،وقدم الكثير للموسيقيين السوريين،فيقول:بعض الخريجين من طلابي بقسم الإيقاع وصلوا إلى العالمية واشتغلوا مع أوركسترات معروفة عالمياً،وبعضهم الآخر يمتازون بسوية فنية عالية ويملكون خبرات جيدة،وهناك من يعمل بالفرقة الوطنية السيمفونية السورية،ونتمنى جميعاً أن نخلق جيلاً موسيقياً يساهم ببناء البلد،أما حلمي الخاص فالأولوية للتدريس في المعهد،ومن ثم العمل بالفرقة فكل المشروعات الكبيرة وطويلة الأمد تولد وتبدأ بخطوة،وبرأيي التركيز الأكبر في هذه المرحلة على إحياء الأمسيات الموسيقية للتواصل مع الناس الذين يأتون إلى الأوبرا رغم القذائف العشوائية والسيارات المفخخة،ليثبتوا للعالم بأسره بأننا شعب محبّ للحياة يصمد ويقاوم كل ما يفعله الإرهاب.
ملده شويكاني