ثقافة

إنها الساعة الثانية عشرة

أحمد علي هلال
حبس العالم أنفاسه ليمر الوقت ويتم دورةً كاملةً: إنها الساعة الثانية عشرة، فما الذي يحدث في قلب العالم ولماذا تتسارع تلك الدقات وتنتظم لتتآلف كسيمفونية كونية، أملاً بشيء ما أم محض عادة مزمنة لا شأن لعقارب الساعة بها، ولثوانيها البريئة من احتمالات التسارع والقبض عليها متلبسة بحفل ألعابها النارية المنتظرة، وما الذي ينفطر له قلب ذلك العالم، وهو من يرى الحرب بوصفها «فيلماً أميركياً» تعدت حلقاته مسلسلاً مكسيكياً بعينه!.
يحلم قلب العالم أن يصحو على أرض بلا حروب أو دماء ليذهب بعيداً في أحلامه أكثر قدرة على صنع المصير، وليقاوم بالجمال تلك القبائح المتواترة والتي عافتها الأرض ومجّها الكلام، فلا شيء يدهش اللغة –لغة القلب- سوى ذلك الجديد، مولوداً كان أو أياماً أو ساعات جديدة، كان العالم إذن واقفاً على تلك المسافة من الشغف، وربما حبس أنفاسه لأنه كان على حافة الشغف تماماً، لم تكن هي عادة متكررة كل عام، بقدر ما أصبحت هاجس البشر وفي لحظة واحدة تصبح الساعة الثانية عشرة قدراً جديداً، ثمة من ينتظره، وآخرون يطلقون عليه رصاصة الرحمة، لكن الرصاص الذي أهرق الصمت ومزق قمصان الليل، لم يكن بحاجة ليؤكد حضور العام، فبضع دقات من القلب تكفي، وبعض ورود تُرمى في الهواء الطلق على الغائبين الذين يحضرون غيابهم، أو على الذاكرة التي يبدو أنها لم تعد تتسع للغة متشائلة، فالواضح أننا سننحت من اللغة ما يليق بالتقويم الجديد، أي عودة لانتظار آخر نصبح فيه أكثر من «غودو»، وحدث أن عاد «غودو» فهل أعاد أشباهه أيضاً؟ أولئك المنتظرين على سياق الملح والأزمنة الباردة التي تتوسل الدفء من حرير الأصابع ومن مُهج العيون، فهل أصبح الدفء ذلك المجاز، لكنه المجاز الأسير حينما لا يأخذنا إلى فطنته المعتادة، وحديث البرد عادة يسبق أحاديث العواصف الثلجية وما أكثرها التي تهب في غير مكان، لا سيما وهي  تهبط على أرض يظللها الكثير من العتم، نثارات ضوء مضرجة بالبياض متصلة ومنفصلة ومتقطعة كأغنية ترسمها الريح على خطوط الأرض، لم يعد يحسبها بعضنا «كقدر يلهو» هي احتفال باذخ سريع، هي تلك الصحائف التي تعاند حبر الناس، ذلك البياض الفادح والمنتظر كيف يهبط أرضاً كثيرة حرائقها، علّه يطفئ ما يستطيعه، ويشي بكائن مجنون كان اسمه «الأمل»، وفي تلك النشوة العابرة للثلوج وحدها كاحتفال حصري ما بين السماء والأرض، وشغف عيون مفتوحة على آخرها، يأتي الثلج كوعد سماوي، وكحروف ترسم ذلك اللون المفقود، -سلام الأرض- التي ارتوت من حرائقها الكثيفة، وغصّت بنيازك الموتى والأحياء، فهل هي سنة بيضاء تجيء بموعدها كل عام غير مكترثة بالحروب والأوبئة، وبالرازحين تحت خط الحياة، وبالحالمين بأن الحياة هي محض استثناء، وبأنه ليس مجرد نبض القلب هو الدليل الأكيد على أنهم أحياء، ثمة من الدلائل ما هو كثير لتدلنا الحياة على آثارها، وعلى إقامتها في الأرواح والأجساد المنهكة في طرق ليست لها، وأوقات ليست لها، ولنا أن نتندر في مطلع العام وهو مازال أسير تثاؤبه الخاص، بطرائف نستعيدها أو تُرانا نخترعها، هي الملح الضروري لتلك الأيام القادمة، ومنها هل إن رأس السنة حاسر، أو كثيف الشعر، أو تُراها “رأس صلعاء”، لماذا ننعتها بكل تلك النعوت، والأمر برمته لا ينطوي على انتقام ما، بقدر ما ينطوي على تصعيد أو محاولة في التطهر من كل تلك الآثام المحتملة، حتى ليبقى البرد فحسب هو النكتة التي يمكن استعادتها بتواتر رواتها، ربما لنضحك أكثر، ومنها حدث أن نزل ركاب إحدى الحافلات الدمشقية في استراحة على الطريق وجدوا مدفأة فتجمهروا يمدون أكفهم بابتهاج، لكن طفلاً صغيراً وحده من رأى أن المدفأة لا نار فيها وهي ليست مشتعلة، وبطبيعية استمروا حول المدفأة ولم يكترثوا لما قاله ذلك الطفل!.