ثقافة

أي شيء في الفالنتاين أهديك؟!

تمام علي بركات
جاء عيد الحب يا حبيبتي، فماذا أهديك؟ وصل الفالنتاين وأنا حائر بين كل تلك الهدايا التي تلمع في واجهات المحال التي لبست حلّة حمراء بدت فيها كغانية، هذا دبدوب أحمر محشو بالقطن، يقول عند الضغط على كفه: I love you، وتلك قطة قطنية تموء إذا شُدّ ذيلها بـ:،je t’aime،عدا عن كل أنواع الورود الحمراء الطبيعية التي تبدو بلا روح إلا أنها طبيعية، ورود أشكال وألوان، دمى وبوالين وأشياء براقة، فماذا أهديك.
ساعة يد مثلاً، ولكن أفكر لماذا؟ هل أنت مضطرة جداً لمعرفة تفاصيل الوقت؟  أهي الثالثة أو السابعة؟ هل ثمة فرق كبير بين هذه وتلك؟ ولماذا أهديك ما يجعلك تتذكرين أنك تكبرين أيضاً كما تكبر هذه الحرب، مع فارق أنها تكبر على حساب أرواحنا، أما أنت يا حبيبتي فتكبرين على حساب الندى.
هل تعرفين أن ثمة أشخاصاً كثراً في هذا العالم، يعنيهم جداً أن لا تمشي عقارب الساعة، كان منهم مثلاً أبطال رواية الجدار لسارتر، الرجال الثلاثة، الذين صدر حكم إعدام بحقهم، وما هي إلا ساعات ستنقضي على تنفيذه، وعندما كانوا يتشاغلون عن الوقت ليسلّون ما هو قادم ،أخبرهم الكاهن أن الساعة دقت الثالثة صباحاً، فماتوا أكثر من مرة بانتظار موتهم، ترى كم إنسان في هذا العالم الدموي حاله كحال أبطال الحكاية؟
مرة أخرى تسحرني واجهات المحال التجارية بلمباتها وأضوائها المبهرجة والهدايا الملونة التي حُشيت بها الرفوف والواجهات، ومرة أخرى يلح علي السؤال تحت ضغط رؤيتك واقفة في الساعة الرابعة صباحاً كقمر مرهق، تنتظرين مجيء الكهرباء لتكوي ثياب الأولاد قبل أن ترسليهم إلى المدرسة،أو تنتظرين الماء يكركر في الصنابير، وتبتسمين عندما يصبح في أوانيك النظيفة، تحت هذا الضغط أفكر ماذا أهديك.
لم أكن أعلم أن الموضوع مربك لهذا الحدّ، فكما تعلمين جرت العادة أن يمر هذا اليوم كغيره من الأيام، أقول لك أحبك كما تعرفين، ولكن هذا العام يبدو أنني مصر على شراء هدية لك، وحمراء اللون أيضاً، فماذا أهديك؟
هل تعرفين يا حبيبتي أننا صرنا نحتفل “بالفالنتاين” ولا هو من روحنا ولا نحن من روحه ، وهل تعرفين كم هو غريب أن نحتفل بالقديس “فالنتاين” ثم ندفن في أقبية الذاكرة سير كل المحبّين والعشاق الذين من لحمنا ودمنا وروحنا؟ هل سمعت مثلاً ب “سمنون المحب”؟ هذا العاشق العربي الجميل الذي رويت حكاية صغيرة جرت معه وهو يتلو كلام الحب والوجد والشوق، ذات مرة وهو يتكلم في الحب نزل طائر وحط قريباً منه، ثم مشى بين يديه حتى قعد في حضنه ثم نزل عنه وضرب بمنقاره البلاط فخرج منه الدم وبقي ينزف حتى مات.
تسقطني أبواق السيارات المجنونة، من شاهق تفكيري وأنا أفكر بالهدية التي يجب أن أجلبها إليك، أمشي بين الناس الماشين كل إلى طريق، والله أعلم أنهم جميعاً كانوا مهمومين مثلي بذات الهمّ؟ فهذا ما بدا على وجوههم المبتسمة من بين خطوط التعب، وهذا ما بدا على قلّة حيلتهم في زمن الفالنتاين العجيب هذا!