ثقافة

“الزمان” القارئ والمقروء أيضاً

بشرى الحكيم
بينما تعلن أشهر الصحف البريطانية بغصّةٍ واضحة؛ عن انتقالها إلى عالم مختلف هو عالم الصحافة الإلكترونية، يتجول القرّاء ومتتبعو الأخبار بين رفوف المكتبات، ينتخبون من بين أكداس الصحف الإلكترونية ما يروق لهم ويستهويهم بكل حرية ورشاقة قل نظيرها، بعد أن فتحت أبواب مواقعها للجميع دون استثناء بكل رحابةٍ وبكرمٍ بالغ الوصف.
منذ فترة ليست بالبعيدة نشرت صحيفة عالمية تقريراً هاماً لها حول استبيان أجرته تستطلع فيه أمزجة قرائها ومتابعيها حول آخر مرة تنكبوا فيها عناء البحث عن مكتبة تقليدية في سبيل اقتناء صحيفة ورقية أثيرة لديهم، وكانت النتيجة الصادمة.
المؤلم في تقرير الصحيفة أن الغالبية العظمى والتي فاقت الـ70% من الأشخاص الذين شملهم الاستبيان لم يتمكنوا  من تحديد زمنٍ أقرب من شهر بل واثنين تناولوا فيها الصحيفة بأيديهم، تبريرهم في ذلك كان بسيطاً جداً، وهو أن المد الكبير للإعلام الإلكتروني أتاح لهم إمكانية الحصول على المعلومة المطلوبة والخبر الذي يشغلهم بسرعة تكاد تكون لحظية، أضف إلى ذلك أن الأمر بات سهلاً جداً وآمناً بنسبة معقولة.
أما أولئك الذين اعتمدوا النسخة الورقية لم تتجاوز نسبتهم الـ 20%  جلّهم من كبار السن والذين يتملكهم الحنين الدائم لتحسس الورق وتنشق رائحته عند القراءة، وهم  في الغالب أولئك البعيدين عن عالم الميديا ولم يتمكن هذا الساحر العجيب الذي يدعى” كمبيوتر” من إغوائهم.
في مطلع الشهر الحالي أعلنت صحيفة الإندبندنت البريطانية الشهيرة لمتابعيها أنها بصدد مشروع للدخول إلى عالم الصحافة الإلكترونية، على أمل أن تحوز مرتبة أولى بين صفوف المتسابقين للوصول إلى المستقبل الرقمي بعيداً عن الورق وأزماته المتكررة ورائحة أحبار الطباعة، بحجة قدّمها مالكو المطبوعة؛ أن خيارهم هذا قائم على مبدأ التحول إلى “مستقبل مستديم ومدرٍ للنفع يعم الجميع” وهي كانت تبيّنت في استطلاعها بهذا الخصوص تراجعاً ملحوظاً في نسب المبيعات الورقية، مقابل تنامي أعداد المتابعين لها عبر الموقع الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.
جميع المطبوعات التي أعلنت عن هذه الانتقالة السريعة فضلت تسميتها بالانتقالة المواكِبة للعصر، الذي طاله التغيير كما القراء، خشية أن تسمى يوماً ما بالضحية “السلبية” التي قتلها الإنترنت.
بالطبع لا تتوقف ضحايا الانترنت القاتل “هو قاتل شئنا أم أبينا” على صحيفة هنا أو هناك، فالأرقام تتزايد والأسماء تتوالى، وقد كانت “نيوزويك” الأسبوعية الأمريكية سبقت الجميع منذ عام 2012 في خطوة استمرت عامين متتاليين عاودت الصدور بعدها في خطوة أثلجت قلوب الأشخاص الذين مازال لديهم بعضاً من حنين لتلمس الأشياء الأثيرة لديهم.
وبعد؛ ترى كم الضحايا سنحصي وعشاق الإنترنيت في تزايد وهو الغاوي يرمي سهامه فتصيب، هذا في عالم الصحف والمجلات، أما فيما يخص الكتاب والروايات فتلك حكاية ذات فصول عديدة أمرها يطول ويطول والصراع لا بد يوجع الكثيرين، وما على عشاق الورق سوى شد الرباط على الرؤوس، والانتقال السريع إلى المستقبل الرقمي صاغرين.