ثقافة

الفرقة السمفونية الوطنية في انطلاقتها الثانية.. مشهدية موسيقية تعبيرية

لم يكن إصغاء الجمهور للفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة د.أرمينوهي سيمونيان لصعوبة البرنامج الذي تختاره عادةً في أمسياتها فقط، وإنما لسحر نغمات الوتريات التي جعلته يغرق بعوالم تأملات فردية وصور تعبيرية أثارتها نغمات الجمل اللحنية لموسيقا الفالس.
الأمسية التي أصرّت سيمونيان على متابعتها وقيادة الفرقة رغم مرضها اتصفت بجانب كبير من الرومانتيكية التي شغلت حيزاً من البرنامج، واتسمت بتقاطعات لحنية للفالس بين بيرليوز وتشايكوفسكي، وتقاطعات الدانس أيضاً بين الرقصات الهنغارية لبرامز ودانس تشايكوفسكي.

الأمر اللافت حضور آلة الهارب ذات الارتفاع الكبير وهي أقدم آلة وترية ساهمت في نسج خيوط الأحلام الوردية للفالس، لتقابلها آلة الكاستيانيت وهي من مجموعة الآلات الإيقاعية والتي كان لها الحضور الأكبر في مفاجأة الأمسية في مقطوعة دانس إسبانيولي وأظهرت الإيقاع السريع للطابع العام للفلكلور الموسيقي الإسباني الراقص.
اشترك من بقي من العازفين القدامى مع العازفين الجدد في عزف المقطوعات الجديدة التي اختارتها سيمونيان،ووصفتها بالصعبة والتي عزفتها الفرقة لأول مرة مثل مقطوعة هنغاريا دانس رقم 6 للمؤلف برامز،ومقطوعة فانتاستيك سيمفوني لبيرليوز.
المقطوعات الجديدة والصعبة هي نوع من التطور الإصغائي والمعرفي للجمهور الذي يقترب في كل أمسية تقدمها الفرقة السيمفونية من عوالم الموسيقا الكلاسيكية ويدخل في تفاصيلها الجزئية،وهذا يساعد على نشر الثقافة الموسيقية الكلاسيكية بالتعرّف إلى المقطوعات الجديدة.
بدأت الأمسية بافتتاحية لفيردي –أوفيرتوروكان لآلة الهورن دور واضح فيها، ثم قُدم العمل الأساسي الحركة الأولى والثانية من السيمفونية الخامسة لبيتهوفين والتي سُميت بضربات القدر، لأنها تبدأ بأربع ضربات قوية مع أربع ضربات ضعيفة تتداخل مع الحوارية الجماعية للآلات والتي عبّر فيها بيتهوفن عن الانكسارات الإنسانية المغرقة في السوداوية، فمضى اللحن وفق مستويات موسيقية متعددة تشبه مايسمى بتقنية تعدد الأصوات، وتكرار اللحن الوتري يوحي بالتفسيرات القدرية للحياة المتقلبة، وفي مواضع معينة استخدم فيها بعض العازفين تقنية النقر على الأوتار مع صولو ثنائي للفلوت والكلارينيت والأوبوا مع الباصون.
تغيّرت أجواء الأمسية مع مقطوعة الرقصات الهنغارية دانس للمؤلف برامزذات الإيقاعات الراقصة رقم 1-5-6-لتتبعها مقطوعة الفالس فانتاستيك سمفوني الحركة الثانية للمؤلف بيرليوز ذات الألحان الرقيقة المتماوجة بين البطيئة والإيقاع السريع للرقصة الشهيرة التي أوحت بحالات نفسية متعددة وبمشاعر فرح وحلم بعيد، ترجمته أنغام الهارب التي عزفتها سفانا بقلة بصوتين مختلفين في زمن واحد. ورغم أن بيتهوفن كان العمل الأساسي إلا أن الجمهور تفاعل أكثر مع مقطوعة تشايكوفسكي باليه “سوان ليك”بحيرة البجع المألوفة، والتي كانت محوراً للأعمال المسرحية ولعدد من الأفلام السينمائية والموسيقا التصويرية،واتخذت الألحان طابع إيقاعات موسيقا الباليه عبْر أربعة فصول بدأت بمقدمة رقيقة تتلوها إيقاعات الدانس السريعة، وكان للآلات الإيقاعية وقع خاص لاسيما الطبول لتنتهي فصول الدانس بالعودة إلى نغمات الفالس الوردية بعد انتصار الحب وزواج الأمير من حبيبته أوديتفكانت أشبه بتحية الوداع إذ انتهت الأمسية بها.
ملده شويكاني