ثقافة

الانتهاك الأميركي للسيادة السورية

ليست الحكاية بنت ساعتها، جلّ من يمتهنون السياسة والتحليل تطرقوا لها، لكن، كلّ أدلى بدلوه حسب ما تفرض عليه أيديولوجيته ومرجعيته ومصلحته أولاً..
من هنا كان لزاماً اجتراح دراسة وافية، للوقوف على نواصي الحقائق، انطلاقاً من تسليط الأضواء على الحالة كلها دون اقتطاع جزء على حساب آخر، وهذا ما يخلّ بوزن المعادلة التي ستأتي نتائجها غير متزنة في المعطى والدلالة..
المعنون “الانتهاك الأميركي للسيادة السورية” بين القانون والسياسة، للكاتب اللبناني حسن محمد صعب، لم يتوقف عند تناول وقراءة التداعيات، بل ولج صلب الموضوع بوضوح دون تزلف ليشي بصحة معطاه، بياناً وإيضاحاً، من خلال قراءات مستفيضة، إيغالاً في صلب الأسباب البعيدة والقريبة لهذا الانتهاك، مفنداً بالقول والبرهان: “شكّل النزاع السوري محطّ اهتمام الباحثين والمحلّلين، وقد استدعى هذا النزاع تدخلات خارجية من دول قريبة أو بعيدة، ما جعل الساحة السورية مفتوحة على مصراعيها أمام دول وجماعات لا حصر لها، لتعيث في البلاد فساداً، ومن دون أن يستدعي كل ما جرى تدخلاً أممياً فاعلاً يضع حداً للمأساة السورية، فيما وقفت دول وشعوب المنطقة وشعوب العالم متفرجة على نزيف الدماء السورية”.
عبر هذا الباب ولج الكاتب رافعاً الغطاء ودون تعمية عن الحقيقة التي لا تُوارى ولا تُمارى، والتي تمثّلت بالانتهاك الأجنبي والأميركي للسيادة السورية، وخاصة التدخل الأميركي السافر الذي تمكّن من تغطية هذا التدخل التخريبي في الشؤون السورية، وإبعاد الأنظار عن خطورته، باتباعه أساليب وأشكالاً ملتوية..
وهذا ما أفضى أيضاً إلى كشف الفشل الذريع لهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمؤسسات التابعة لهما، لجهة إنهاء الحروب والصراعات وإرساء الأمن والسلم الدوليين ومنع انتهاك سيادة الدول، مبيناً أن الذرائع التي تلطى وراءها هذا التدخل بالقول: إن اندلاع الحرب السورية، وتحولها إلى صراع إقليمي واسع ذي امتدادات دولية خطيرة، كشف، ليس فقط عن عوامل داخلية كامنة تسبّبت بنشوب هذا النزاع، وإنما عن تدخلات إقليمية وأجنبية أطاحت بسيادة الدولة السورية، وجعلت من سورية ساحة مفتوحة لصراع مرير، لا يعرف أحد مداه وتداعياته.. كما أن الكاتب قدّم وجهة نظره حول الدافع الرئيسي للفكرة الحامل للمنجز، وهي إدانة الانتهاك الأميركي لسيادة الدولة السورية، على المستويين القانوني والسياسي..
عبر طرح العديد من الأسئلة المباحة، ليماهي الواقع الملموس مع النوايا والأهداف المعلنة وغير معلنة.
* هل ينطبق مبدأ التدخل الإنساني على الحالة السورية، وبالتالي هل يمكن إدراج التدخلات الخارجية في النزاع السوري تحت هذا المبدأ؟.
* هل يتوافق الانتهاك الأميركي للسيادة السورية (سياسياً وعسكرياً) مع نصوص وقواعد القانون الدولي والإنساني، أو حتى مع روح وغايات هذا القانون؟.
* هل يمكن تبرير الانتهاك الأميركي لسيادة الدولة السورية، بمختلف أشكاله ومستوياته، مع فقدانه لغطاء دولي واضح من مجلس الأمن الدولي؟.
* هل مازال لسيادة الدول مكان في ظل طغيان قيم العولمة والقرية الكونية وعصر المعلومات والشركات العابرة للقارات؟.
يشير الكاتب إلى الإشكالية المتجلية هنا، والتي “تجسّدت في الوضع السوري، من خلال التصادم الحاد بين سيادة الدولة السورية التي ما تزال قائمة ولديها مشروعية دولية، وبين التدخل الخارجي المنتهك لسيادتها، تحت شعار نصرة الشعب السوري ومساعدته في إسقاط النظام المفروض عليه”.
لقد تعددت أبعادها دون القبض على حدود ومؤشرات النتائج والنهايات، “ليس فقط لأن عدد الدول الذي انخرطت في الصراع غير مسبوق، بل لأن معظم هذه الدول والأطراف تتدخل من دون رضى أو طلب من الدولة السورية، أو حتى بغطاء أممي، سواء تحت شعار التدخل الإنساني أو غيره “حماية السلم الدولي- منع العدوان”، مع (إبداعها) في شرعنة أو تبرير تدخلها في سورية، لحسابات واعتبارات سياسية فحسب.
هذا يفضي إلى أن هذه التدخلات الإقليمية والدولية، تميزت بأنها “تدخلات متدرجة وممنهجة ومستديمة، ولا تشبه ما حصل من تدخلات عسكرية أو سياسية حصلت في المنطقة أو العالم”.
المنجز الجديد “الانتهاك الأميركي للسيادة السورية” والذي أصدره مركز باحث للدراسات الفلسطينية الاستراتيجية، وعبر الأبواب التي اجترحها الكاتب، باب الدولة والسيادة، باب الانتهاك الأميركي للسيادة السورية، وباب أبعاد وتداعيات الانتهاك الأميركي للسيادة السورية، مرر الكثير من العتبات الصغيرة التي تفضح هذا الانتهاك، دوافعه، أبعاده، أخلاقيته، خاتماً بأن الأمر وحسب قوله: “يستدعي تدخلاً دولياً شاملاً، متوازناً وإنسانياً وأخلاقياً في الوقت عينه، وذلك عبر محاولة ردم الفجوات الواسعة بين مبادئ القانون الدولي وآليات تطبيقه، أو بين النظرية والممارسة”.

النمسا- طلال مرتضى