ثقافة

د. ناديا خوست: ضرورة أن تكون الآثار جزءاً من النهج التربوي

افترضت وأنا أقرأ عنوان محاضرة د. ناديا خوست حول “الآثار ودورها في الحفاظ على الذاكرة الوطنية والقومية” التي دعت إليها اللجنة الشعبية العليا العربية السورية لدعم الشعب الفلسطيني أنني سأكون أمام محاضرة الجزء الأكبر من جمهورها لهم علاقة مباشرة بالآثار كون الموضوع يعنيهم بالدرجة الأولى، لكن على ما يبدو أن المشكلة الأهم في واقعنا الثقافي والتي تفرض ظلالها في كل مناسبة هي أن المحاضرات والندوات مهما علت قيمتها العلمية والثقافية، للأسف تبقى مجرد أوراق تنسى ولحنها لا يطرب إلا في حينها فقط، حيث اقتصر جمهور المحاضرة على عدد لا يتجاوز أصابع اليد.
عناوين كثيرة ومحاور متعددة طرحتها د. خوست بدأتها بالحديث عن الذاكرة الوطنية بما تتضمنه من أبعاد متنوعة سياسية اجتماعية بيئية ثقافية، والتي أبدعتها الأمة خلال عصور، وفيها وعي اغتنى بالمسار السياسي والثقافي، معتبرة أن عناصر كثيرة تشكل الشخصية الوطنية، تتعرض اليوم للحرب الناعمة الاستعمارية الصهيونية التي تحتكر اليوم المراكز الفكرية في العالم وتصنع الوعي الذي تريد بعد أن تقتلع الذاكرة. وأكدت خوست أن المدن العربية تكتنز ذاكرة مهمة للامتداد التاريخي، لذلك تختلف عن المستوطنات التي ليس لها أي أرضية في المكان،  وذكرت بعض الأمثلة عن دول تعرضت لمحاولة الهجوم على هويتها لكنها واجهت ذلك باستنهاض الروح الوطنية، واستشهدت بقول للرئيس بوتين حول أسباب الكارثة في سورية عندما رأى أن الغرب لم يحترم الخصوصية التاريخية للمنطقة، وأراد أن يفرض عليها رؤيته الخاصة  للديمقراطية.

لا تحمل لوحات تسجل تاريخها
وذكرت خوست أهم المواقع الأثرية في دمشق وفترة بنائها كسوق الحميدية والجامعة السورية التي أنشئت من دمج كليتي الطب والحقوق، وهي أول جامعة حكومية عربية تدرس العلوم باللغة العربية، وأكدت أن العدد الأكبر من تلك الأماكن لا يحمل لوحات تسجل تاريخه وهذا في غاية الخطورة على التماسك الوطني خلال عصور، لأن ذلك يبقى في مستوى الشعور ولا ينتقل إلى الوعي. وأجرت خوست مقارنة بسيطة بين المدن العربية وواقع آثارها وبين المدن الغربية حيث رأت أن هوية المدينة العربية قد كسرت وتحولت إلى مدن سيارات، في حين استخدمت الدول الغربية كل الفنون والإمكانات لتحفظ المدينة وتوسع المساحة للمشاة، كما حدث في ذكرى برلين حين أعادوا إلى أحد الأحياء جميع الواجهات كما كانت، واليوم تدرّس تلك العمارة القديمة في البرامج التربوية. وأشاشرت إلى الممارسات الكثيرة التي تعرضت لها المدن العربية ومنها سورية على أيدي الغرب، بعضها أدى إلى هدم العديد من الأماكن الأثرية، إضافة لما تعرضت له المواقع الأثرية السورية من تدمير ونهب على أيدي الجماعات الإرهابية.

عدم وجود قائمة موحدة
وأشارت خوست إلى مشكلة عدم وجود قائمة موحدة بين الآثار والأوقاف تعامل الآثار من خلالها بمعايير علمية، ففي بعض الأبنية الوقفية هناك ثروات من الفوانيس القديمة والمخطوطات، وكلها بيد الأوقاف وتستطيع أن تتصرف بها كما تشاء، إضافة إلى جانب آخر للمشكلة يتعلق بسوء استثمار الأماكن التاريخية كما فعلت محافظة دمشق بتأجير بيت نظام كمشروع سياحي، وخان سليمان لمشروع خليجي وهناك مشكلة جواز رفع إشارة الآثار عن أي بناء وهذا لا يجوز.
جانب آخر مهم تحدثت عنه خوست وهو الذاكرة الأدبية والعلمية، فـ “أبو الفرج الأصفهاني” على سبيل المثال في الأغنيات لم يسجل موسوعة شعرية فقط بل علاقات في المجتمع، وهذا التراث الشعري كان معياراً وقد رفدته الحضارة العربية طوال أربعة قرون، وفي فترة من الزمن أثّر هذا التراث في غوته وكتب الديوان الشرقي للشاعر الغربي.

دور الآثار في النهج التربوي
وعن النهج العام فيما يتعلق بالآثار ذكرت خوست بعض المشكلات كاعتبار الآثار للأجنبي وليس لابن البلد، واعتبارنا أن الحضارة العربية تبدأ مع الإسلام وما قبله جاهلية متخلفة، مما شكل انقطاعاً في المسيرة التاريخية والحضارية، كما أننا لم نضع الآثار في المنهاج التربوي. وطالبت خوست بضرورة وضع قانون صارم يعتبر تهريب الآثار والاتجار بها خيانة عظمى، واعتماد منهج سياسي يحترم دور الآثار في النهج التربوي والأخلاقي، واستلهامها من خلال الفنون وتزيين المدن بمنحوتات من الحضارة السورية.
جلال نديم صالح