ثقافة

“عن الحب وفأر الطحين”..كتاب ضائع الهوية بين المقالة والقصة القصيرة

“عن الحب وفأر الطحين” مجموعة قصص قصيرة تتضمن 46 عنواناً، للكاتب عصام حسن عضو اتحاد الكتاب العرب، صادرة عن دار أرواد للطباعة والنشر عام 2012.
بالنسبة لِكَم القصص فهناك غزارة في الإنتاج الأدبي، مقارنة مع كتيبات القصص القصيرة التي تتضمن عشرة عناوين والتي درجت مؤخرا في سوق الأدب المحلي.  لكن بعد قراءة الكتاب “عن الحب وفأر الطحين” يتوضح بأن الكاتب متقن للقصة القصيرة الشعبية، العامة، الشبيهة برسم الكاريكاتور، لأنه ليس لديه في أي قصة شخصية واضحة المعالم فيما عدا شخصيته الحقيقية هو، ليكون الكاتب بطل جميع القصص.
منذ البداية وحتى النهاية هناك إرغام واضح للقلم على الكتابة، ليبدو الكاتب كمن أرغم نفسه على كتابة زاوية يومية أو بوست على الفيس بوك يضطر فيه للبدء  بحديث جديد أو إيجاد مناسبة للحديث ثم يطوره ليصبح قصة، ويبدو هذا واضحا في مطالع القصص مثل “على ضفة النهر”، “قارئ المغسلة”. ثم يأتي الأسلوب نفسه في القص، أسلوب السرد الشخصي حيث يهيئ للقارئ وكأنما الكاتب يروي مذكراته التي لا تعني أحد، وهي أقرب بأفكارها اليومية للعمود الصحفي الذي يكتبه عادة كاتب كبير كتكريم له، مثلا “فراشة المقهى”، “الرامشون”، “العطر وأشجار الزيتون”.
القصص فيها سرد لتفاصيل أحيانا لا علاقة لها بالقصة وإنما استفاضة، لظن الكاتب بأنها مضحكة وكوميدية على حساب الموضوع الأساسي، أو لأن للكاتب جمهوره الذي أحب أسلوبه في سرد اليوميات الطريفة فجعل نفسه فوق القواعد لأن الجمهور سيتواطأ معه.
اللغة تكاد تكون عامية منقولة بالفصحى، ويبدو أن الكاتب تقصد عدم اكتراثه باللغة ليتقرب لجمهوره بعفوية، لكن من غير اللائق إذا كان سيخاطب جمهوره من خلال الأدب أن تتخلل القصص بعض المعاني أو الكلمات التي أقحمها على مايبدو ليرفع الكلفة بينه وبين القارئ، بل من الضروري وجود بعض الحدود أو اللياقة في الحديث.
لا يخلو الكتاب من تفاصيل رقيقة وعفوية عن الحب، ومن مشاعر جميلة ونبيلة ومن ابتسامات، ومن القصص المميزة في الكتاب، المتقنة والرشيقة نذكر “قضامة في الكفن”، “كذلك للفقراء إله”، “حتى الرمق الأخير”، “كامل يتعرف على سعاده مبكرا”
هناك مطب تعثر به الكاتب ألا وهو التعالي على القارئ بمخاطبته من مكانه ككاتب وإملاء تعليماته وأوامره عليه بشكل مباشر، فما المبرر للقصة إذا، التي من واجبه أن يختفي خلفها ويتواضع بها لقارئه ليبسط له الفكرة من خلالها، ثم لماذا هذه المجازفة الكبيرة بأن يتعرض لله ويتفلسف عليه، غير مبالٍ  بالمسلمين والمسيحيين واليهود وكل ذلك الجمهور العريض من خلال “الله فكرة زاهية فائقة البهاء”، حيث ينصحنا الكاتب بأن لا تبحثوا عن الله فلن تجدوه، وبأنه لن يشارككم فقركم ولا غناكم لأنه لا شريك له! وما دخل الله بالحب وفأر الطحين؟
عندما يريد أن يثبت فكرة ما كالإيمان أو الكفر كان بإمكانه أن يثبته من خلال شخصية في قصة لا أن يفرض رأيه الشخصي.
جميع القصص تروج لنمط حياة واحد، حياة الحرية والصداقات حيث يجتمع العاشقان في شقة، والزيارات بلا مواعيد ولا ضوابط كما في “أحبكما يا أزعران” أو “العطر وأشجار الزيتون” أو “كنت تبتسمين”أو “حكاية النورس الصغير” أو “أعرف هذه الغيوم”.
أخيرا.. إذا كان الكتاب يندرج تحت عنوان القصة القصيرة والأدب، فهناك مشكلة مع هذا النوع من الكتابة إذ سيعتقد القارئ أنه الأدب، أما إذا كان يندرج تحت عنوان مقالات صحفية فلا بأس!.
حـلا خـيـربـك