ثقافة

“شكراً سورية”.. تحية من الأرمن في ختام فعاليات ذكرىالإبادة

لنردد بصوت واحد “شكراً لسورية” التي تعني الحياة للأرمن بعد ما احتضنت قوافل المهجّرين الناجين من هول الإبادة العثمانية، التي راح ضحيتها زهاء مليون ونصف المليون شهيد قُتلوا وذُبحوا بوحشية تعجز الكلمات عن وصفها، بهذه المفردات أنهى المطران آرماش نالبنديان كلمته في الأمسية الختامية لفعاليات  إحياء الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية في الأوبرا التي أقامتها هيئة إحياء الذكرى تحت شعار “شكراً سورية” بحضور رسمي وإعلامي،تلك الفعاليات التي أقيمت في كل دول الشتات وأرمينيا وسورية تحت شعار “أتذكر وأطالب” وقد حققت حضوراً إعلامياً كبيراً للقضية الأرمنية التي غدت قضية عالمية، فكانت الثقافة الحامل الأساسي الذي وثّق وأرخ أحداث الإبادة وتفاصيلها وكشف حقيقة جرائم العثمانيين، واليوم بداية نضال جديد بدخول العام الأول بعد المئة بشعار “لن ننسى” في ظل الحرب التي تتعرض لها سورية بدعم الحكومة العثمانية الجديدة.
بدأت الأمسية بتوقيع سفير أرمينيا في دمشق د.أرشاك بولاديان كتابه الجديد في الأوبرا “شهادات غربية من الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية”، الذي يجمع بين التوثيق من خلال شهادات حية اعترفت بالإبادة، وبين التحليل التاريخي، ليساهم في الفعل الثقافي المساند والمؤرخ للإبادة.

الثقافة والإبادة
وحول سؤال إلى أي مدى ساهمت الثقافة –عبر فعاليات المئوية التي أقيمت على مدى عام كامل – في توثيق الإبادة الأرمنية قال وزير الثقافة الأستاذ عصام خليل: في حديث لـ “البعث”:كل الآداب والفنون تسعى إلى تثبيت اللحظات الإنسانية في الذاكرة والوجدان، لتحولها من لحظة عابرة إلى زمن حيوي مستمر عندما نثبت بالذاكرة هذه المحنة التي تعرض لها الأرمن، وما يتعرض له الشعب السوري الآن كاستمرار لذات العقل المريض الذي أنتج الإبادة الأرمنية، نحن نحذر البشرية كلها من التغاضي الذي ينتج مثل هذه المجازر، هذا دور الثقافة ودور الأدب أن يبقي المسألة حيّة في الوجدان والضمير كي يدافع البشر عما عاناه إخوتهم سابقاً”.
بينما يرى السفير د. أرشاك بولاديان أنه كان للثقافة بأنواعها دور كبير في نشر الوثائق والمراسلات والكتب، ولولا هذه المخاطبات ما كنّا عرفنا شيئاً عن الإبادة الأرمنية خاصة أن أعداءَنا الأتراك حاولوا محو الإرث الثقافي الموجود في تركيا.
ويوضح مطران الأرمن الأرثوذكس آرماش نالبنديان أن الثقافة قامت بدور كبير في التعبير عن قداسة القيامة من الموت، مما انعكس على الفنّ الأرمني في الخمسينات والستينات من القرن الماضي في الموسيقا والتشكيل والسينما وكل المجالات الثقافية.
بين الماضي والحاضر
شغلت الأفلام الوثائقية الحيز الأكبر من الأمسية مع الموسيقا التصويرية الحزينة تارة والصاخبة والمتأججة من هول الصراع في مواضع أخرى،فبدأت بعرض فيلم تسجيلي لأشخاص تناولوا الإبادة الأرمنية على شكل فواصل كشهود عيان مثل (فايز الغصين ود.نعيم اليافي وزكي الأرسوزي والإعلامي سمير رفعت…)، تداخل مع الفيلم الوثائقي الأول عن الدول التي اعترفت رسمياً بالإبادة الأرمنية وفق التسلسل الزمني ابتداءً بعام 1965 حتى عام 2015إضافة إلى الأقاليم والمنظمات، ثم عُرض فيلم وثائقي عن مراحل المجازر المتكررة وصولاً إلى الإبادة،تضمن صور الجثث التي قُتلت بوحشية في الأراضي التركية والسورية، مع مداخلات تسجيلية من شهود عيان،فكانت الصورة جسراً بين الماضي والحاضر لتضيف مشاهد التخريب والتدمير للمعالم الدينية والسكنية الآمنة الآن إثر العمليات الإرهابية التي تحدث على أرض سورية.

النصب التذكارية
أما الفيلم الثالث الذي ارتبط بأجراس الكنيسة،فكان فيلم “النصب التذكارية” تحت شعار “نصب الذكرى والنضال كي لا ننسى” التي أُقيمت في كل دول العالم التي يعيش فيها الأرمن، وأظهرت نصب شهداء الأرمن في مطرانية الأرمن الأرثوذكس وفي مدفن الأرمن، وفي المناطق التي يتواجد فيها الأرمن في سورية. ورغم تعرض الأرمن للأذى يعلنون أنهم باقون في سورية. كما تضمن الفيلم صورة الزيارة التاريخية للقائد المؤسس حافظ الأسد للنصب التذكاري في يريفان.

“موش” والرقص التعبيري
تخللت البرنامج لوحة كاملة للرقص التعبيري، قدمتها فرقة ميغري الأرمنية مع المدربة آزاد سفريان، باحت بحركات إيمائية تناغمت مع الرتم الموسيقي الهادئ  بعنوان “موش” نسبة إلى المدينة الأرمنية التي تعرضت للإبادة بأكملها، وجسدت اللوحة التعبيرية ملامح الإبادة والحزن على الشهداء،لتنتهي بمشهد الشموع والصلاة على أرواحهم، وقد عكس ثوب الراقصات الأزرق مكانة الشهداء برفعهم إلى مرتبة القديسين.

الحرية الكاملة
وتحدث مطران الأرمن الكاثوليك جوزيف أرناؤوطي في كلمته عن تقدير الأرمن استقبالهم في سورية المقدسة التي رويت أرضها بدماء شهدائهم، وتابع بأن سورية وفرت لهم الحرية الكاملة للحفاظ على لغتهم وتراثهم وممارسة طقوسهم.وكان لهم دور فعّال وإيجابي في جميع المجالات.

جريمة إنسانية
وأوضح السفير الأرمني في دمشق د.أرشاك بولاديان أن الحضور الكبير لذكرى ختام المئوية يؤكد على التضامن مع الأرمن، والحرص على جميع الشعوب للعيش بكرامة،وعاد في حديثه إلى تاريخ الشعب الأرمني الذي تعرض لجريمة إنسانية وثقافية، وأصبحت سورية بالنسبة إليه الملاذ والمأوى واستقبلتهم برحابة صدر، فكانت الحضن الدافئ ليندمجوا بنسيج المجتمع السوري ويصبحوا جزءاً لا يتجزأ منه.

إغناء الثقافة
أما د.نبيل طعمة فتناول في كلمته التأثير الثقافي الأرمني الذي قام به الأرمن لإغناء الثقافة السورية المنوعة، وتابع بأن هذه الأمسية ليست خاتمة وإنما فاتحة لبوابات كي يستمر إحياء الذكرى المئوية للإبادة، وأكد على المطالبة بالاعتراف، وأثنى على الشعب الأرمني الذي يستحق الحياة، لذلك نحن مع بعضنا اليوم.

شكراً سورية
وفي ختام الأمسية توجه المطران آرماش نالبنديان برسالة شكر إلى سورية التي احتضنت الأرمن مُجدداً المطالبة بمعاقبة المجرم بعد مرور أكثر من مئة عام، لاسيما أننا نتعرض في سورية للإبادة والمجرم لم يعاقب، وأوضح أن سورية كانت الشاهد الأول والأوحد على ضحايا الإبادة الأرمنية، وأن الأرمن اليوم يشاركون سورية في مواجهة الإرهاب،  كما شكر قائد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد، والجيش العربي السوري الذي يحمي سورية المقدسة والشعب السوري الأخ والمجير.
خلال الأمسية قدم مطران الأرمن الأرثوذكس نالبنديان دروع تقدير للشخصيات التي ساهمت فعلياً بمساندة القضية الأرمنية: السفيرالأرمني د.أرشاك بولاديان، وزير الثقافة عصام خليل، د.نظيرة سركيس وزيرة البيئة، رئيس مجلس الشعب محمد جهاد اللحام، ومطرانيتا الأرمن الأرثوذكس والكاثوليك.
ملده شويكاني