ثقافة

رحل صانع الضحكة والمقالب.. خلدون المالح

عندما كانت أعماله التلفزيونية تُعرَض على شاشة التلفزيون العربي السوري كانت الشوارع تخلو من المارّة، الذين كانوا يتجمعون في بيوت معدودة تستقبل الجيران والأقارب والمعارف، ليتابعوا المقلب الجديد الذي حضّره غوار الطوشة لغريمه حسني البورظان في صراعهما الأزلي على قلب فطوم حيص بيص.. كوميديا جميلة صنعها الفنان المخرج خلدون المالح عبر كمٍّ قليل من الأعمال التلفزيونية، لكنه كمّ مؤثر ومعبّر عن فترة ذهبية للكوميديا السورية كانت فيها حاضرة وبقوة ليس عند المتفرج السوري فحسب، بل عند المتفرج العربي أيضاً.. واليوم رحل صانع تلك الكوميديا ليترك في عيون محبيه الدمعة وفي قلوب من عرفه الحسرة والألم.

كتلة مواهب
يبين المخرج علاء الدين كوكش الذي فُجِعَ برحيل خلدون المالح أنه فقد بهذا الرحيل زميلاً وأخاً رائعاً ومبدعاً في مجالات متعددة، فكان كتلة مواهب تعطي بلا حدود في الإذاعة والتلفزيون والسينما، وقد نجح في أن يكون بارزاً ومتميزاً بينهم جميعاً.. وإلى جانب كل تلك المواهب كان الراحل فناناً تشكيلياً رسم لوحات مميزة، ورأى كوكش أن الرحيل جاء مبكراً على شخص مثل خلدون المالح الذي كان يضج بالحيوية، مؤكداً أن أعماله مع دريد لحام تعدّ من روائع الدراما العربية، التي رغم مرور السنوات الطويلة ما زالت حية ومتابعة من قبل الجمهور، منوهاً كوكش إلى أن أعمال دريد ونهاد التي أخرجها خلدون المالح عاشت وبقيت حية لأنها كانت أعمالاً صادقة، وكان أصحابها بعيدين عن الادعاء والغرور والاستعراض فكانت بسيطة وحقيقية، وقد أحبها الجمهور وما زال يحبها ويستمتع بها كلما أعيد عرضها.
وكمخرج يوضح كوكش أن المالح تميز بعين جميلة ثاقبة قادرة على التقاط ما هو جميل وبسيط فكان التميز حليفه أينما حلّ، والبدايات كانت من خلال برامج المنوعات التي أعدها وقدمها وحققت نجاحاً كبيراً، لكن ولأن سوق هذه البرامج لم يكن رائجاً وقتها، وكانت بحاجة إلى إمكانيات مادية ضخمة لم يستمر فيها طويلاً حتى لا يسير عكس التيار فاتجه للدراما التي قدم فيها روائع لم ولن تنسى.الرائد والمتميز
ويؤكد المخرج غسان جبري أن من يتابع مسيرة الراحل الفنية الناجحة يكتشف ذلك التميز الذي تمتع به في كل المجالات التي عمل فيها، وبالتالي فمن الصعب تلخيص هذه المسيرة بكلمات قليلة، وقد كان عنوانها دائماً النجاح والفرادة، مشيراً إلى أن الراحل بدأ العمل في الإذاعة السورية كمذيع ومقدم برامج في الوقت الذي كانت فيه الإذاعة محط أنظار المبدعين والموهوبين، ومن خلالها اتجه إلى التلفزيون الذي حلّق فيه وأبدع كمقدم ومعدّ ومخرج فكان من المبدعين المؤسسين له، ويعرف الجميع أنه ما دخل مجالاً من المجالات إلا وحقق فيه نجاحاً باهراً، والسبب برأي جبري ذكاء المالح الكبير وقدرته على تلمّس ومعرفة ذوق المشاهد الذي أخلص له المالح في كل الأعمال التي قدمها، وخاصة تلك الأعمال التي شكل فيها ثنائياً ناجحاً مع دريد لحام، وقد ختم مسيرته الدرامية في العام 1999 بتحفته الفنية “الجمل”. ويذكّرنا جبري بأعمال المالح الغنائية التي قدمها مع عمر حجو من خلال دوبلاج بعض الأغاني والتي حققت حينها نجاحاً كبيراً، أما سر نجاح أعماله وخاصة تلك التي قدمها مع دريد لحام فتعود برأيه إلى التقاء موهبتين فذتين، موهبة دريد لحام وموهبته النادرة في الإخراج.
فقده جرح مؤلم
وبألم كبير يعبر الإعلامي محمد قطان عن حزنه الكبير لرحيل  صديق العمر ورفيق اليفاعة، موضحاً أنه تعرف على الراحل في المرحلة الإعدادية عام 1951 على مقاعد مدرسة تجهيز البنين الأولى في دمشق، وقد تشاركا الاهتمامات الفنية وكانت البداية بتأسيس فرقة فنية قدّما من خلالها مع مجموعة من الطلاب بعض المسرحيات، ليتشاركا فيما بعد إعداداً وإخراجاً في برنامج للأطفال في الإذاعة، وليؤسسا بعد ذلك نادياً فنياً باسم عبد الوهاب أبو السعود خارج إطار المدرسة ونادياً فنياً تمثيلياً هو “النادي الشرقي” فيما بعد، وكان من أعضائه نهاد قلعي، عبد الرحمن آل رشي، نزار شرابي….، حيث قدما من خلاله أول مسرحية بعنوان “ثمن الحرية” إخراج نهاد قلعي، مشيراً قطان إلى أن المسيرة كانت طويلة وغنية في حياة الراحل ومن الصعب الوقوف على تفاصيلها والألم يعتصر القلوب برحيله، منوهاً إلى أن الراحل بقي شخصية محببة، وفقده جرح مؤلم لا ينسى.

كان عبقرياً
ويأسف الفنان فاضل وفائي لرحيل علم من أعلام الدراما السوريّة ومن الرعيل الأول الذي له باع طويل في عالم الدراما، مشيراً إلى أنه كان مخرجاً وإعلامياً ومقدم ومعدّ برامج كبيراً، وإلى جانب كل ذلك كان يتحلّى بأخلاق رفيعة المستوى، ولذلك كان العاملون في الوسط الفني يحبونه ويحترمونه، وقد كان متواضعاً ولا يبخل على أحد بالمشورة والملاحظة.. رحل، ورحيله خسارة كبيرة للساحة الدرامية.

رحل المميز
أما الفنان مظهر الحكيم فبدأ كلامه قائلاً: “مرحلة عمر طلّت من الشام، رافقت بدربي كل الخلّان، واحد منهم خلدون المالح. كان صوتاً جميلاً وشكلاً وثقافة أجمل، كنا معاً في الإذاعة والتلفزيون، والسينما والسفر والرحلات، رحلة من العمر مع إنسان مثقف عشت معه فترة تركت عندي بصمة اسمها خلدون المالح” متابعاً الحكيم كلامه: “هذه هي الحياة.. الرحيل.. الفراق الذي لا لقاء بعده.. الإعلامي المخرج المميز رحل.. خلدون المالح.. لن أكثر وأزيد.. كنتَ مميزاً جميلاً بلكنة خاصة.. رحل المميز.. الرحمة لروحك والعزاء لأسرتك وأصدقائك”.

أمينة عباس