ثقافة

الفرقة الوطنية السيمفونية تتألق بقيادة باغبودريان وصوت فلليزي “سورية أنيما”

تألقت الفرقة الوطنية السيمفونية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان لأول مرة في عام 2016 بحرفيته العالية وتآلفه بين العازفين، ككتلة واحدة في عزف مقطوعات إيطالية وروسية من عصور مختلفة سيطرت على الجمهور الكبير، لاسيما بتقديمه نوعاً من الموسيقا الغامضة “ليلة على جبل أقرع”.

تميّزت الأمسية باستخدام باغبودريان تقنية الصوت الكاتم في أكثر من مقطوعة لإظهار لون صوتي آخر، وبدا حضور الهارب ساحراً رغم المساحة الطفيفة لنغمات الآلة، في حين اتخذت آلة الباصون دور السارد في مواضع فصلية، إضافة إلى دور مجموعة الفلوت كجزء من كل. وبدا انسجام باغبودريان الواضح مع المتتاليات الوترية لمقطوعة الفالس لتشايكوفسكي التي كانت الأقرب إلى الجمهور رغم إعجابه بافتتاحية فيردي التي شكّل فيها العازفون وحدة متكاملة.
مفاجأة الأمسية كانت حضور مغني التينور الإيطالي جوزيف فلليزي الذي أهدى  الشعب السوري أغنيته “يا سورية” كلماته وتلحينه، وقد تفاعل معها الجمهور وأخذ دور الكورال.

الرقة والقسوة
اختار باغبودريان افتتاحية أوبرا “صلوات المساء الصقلية” لفيردي ليبدأ بها الأمسية وكان لها وقع خاص على الجمهور،إذ بدت احترافية باغبودريان العالية بقيادة الفرقة والتأثير على العازفين الذين شكّلوا وحدة متكاملة، بدأت برتم هادئ ليكون قرع الطبول العلامة الفارقة والانطلاقة القوية التي تجمع بين جميع الآلات مع حضور خاص للتشيللو والكونترباص في حالة التكثيف الوتري، ليتصاعد الإيقاع اللحني بدور الآلات النحاسية “الهورن والترومبيت والترومبون” مع آلات النفخ الخشبية، لتتضح التوليفة بين مسار رقة اللحن الوتري وشدة لحن الآلات الإيقاعية -بحضور عازف التيمباني الأساسي علي أحمد مع مشاركة آلات “الطبل الكبير وسنير وأجراس وسيمبال”-والآلات النحاسية، وقد مثلت الحالة الدرامية التي عبّر عنها فيردي والتي تتناغم بين الرقة والقسوة.
الهارب والأرواح الشريرة
المحور الأساسي في الأمسية كان مقطوعة “ليلة على جبل أقرع”- لموديست موسورسكي أحد العازفين الخمسة الروس الذين أسسوا المدرسة القومية- التي قُدمت لأول مرة –كما ذكر باغبودريان على المسرح- وهي تسرد حكاية من حكايات التراث الروسي وتدور أحداثها في ليلة واحدة،من خلال موسيقا غريبة وغامضة توحي بأجواء الخوف وتشد المتلقي إلى إيقاعها الدرامي المتصاعد الذي أثارته الآلات الإيقاعية، لتتخذ آلة الباصون دور السارد في فواصل معينة، اتسمت المقطوعة ككل بالضجيج الموسيقي الذي ترجم قصة الأرواح الشريرة (السحرة)، التي تنبعث ليلاً من أماكنها المهجورة وتهيم فوق المدينة الآمنة الوادعة تنشر الخوف وتبث سمومها وبعد ساعات يبزغ نور الفجر مع نغمات أجراس الكنائس، فينحسر وجود الأرواح الشريرة وتعود إلى أماكنها المهجورة، هنا يتغير المسار اللحني، فيظهر حضور آلة الأوبوا -القادرة على التلوين بين العذوبة والأنين،والكلارينيت في الانتقال من حالة إلى حالة مختلفة، فيبدو الدور الفعال لمجموعة الفيولا لستة عازفين -بينهم العازف المثنى علي- في التعبير بألحان رقيقة مع نغمات الأجراس عن الأمان العائد إلى المدينة الوادعة.ومن الملفت استخدام باغبودريان تقنية الصوت الكاتم في مواضع كتبها المؤلف لإظهار الصوت الخفي لبعض الآلات بإعطائها لوناً صوتياً مختلفاً، لتنتهي المقطوعة بنغمات الهارب الساحرة التي رغم مساحتها الصغيرة إلا أنها اختزلت رسالة المؤلف.

متتاليات وترية
في القسم الثاني من الأمسية بدا بوضوح توحد باغبودريان الكامل مع الفرقة في مقطوعات تشايكوفسكي “مختارات من أوبرا أوجين أونيغين” لا سيما في المقطوعة الأولى الفالس،التي مثلت بروحها الموسيقية الجانب العاطفي في الحياة وباحت عبر أوتارها بمشاعر إنسانية، فجاءت في نمط لحني أقل تصاعداً وبصوت متوسط الارتفاع يجمع بين الوتريات والنحاسيات.لتنتهي فقرة تشايكوفسكي مع مقطوعة رقصة بولونيز.

أغنية للشهيدين الروسيين
حرارة لقاء جوزيف فلليزي-تينور منفرد- بجمهور الأوبرا باحت بالشوق والحنان الذي يملأ قلبه تجاه الشعب السوري، الذي وصفه بأنه أكثر شعب مقاوم، وبأن السوريين يعرفون ساحات الوغى لكنهم أهل الثقافة والمحبة،قائلاً: سورية أنتم،سورية النصر.وقبل أن يبدأ بالغناء ألقى القصيدة الوطنية الإيطالية تحية إلى شهداء سورية متمنياً أن يتعلم الشعب الإيطالي من وحدة الشعب السوري، مؤكداً أن شهداء الشعب السوري لن يفقدوا قضيتهم وسينتصر هذا الشعب، ثم خصّ الشهيدين الروسيين الذين استشهدوا على أرض سورية أغنية خاصة “أغني لينسكي”.

سورية أنيما أنيما
الأمر اللافت أن الجمهور أخذ دور الكورال فردد مع فلليزي الجملة المكررة “يا سورية، أنيما، أنيم اميا” وتعني يا سورية، يا سورية، الروح، روحي أنا” فعبّر بتصفيقه المتواصل عن تفاعله مع فلليزي المحبّ لسورية وشعبها.أما كلمات الأغنية فكانت أشبه بقصة تسرد تحالف المغتصبين مع الصهاينة لتمزيق سورية، لكن الشعب السوري يقف لهم بالمرصاد. وقد أظهرت الأغنية التي بدأت بمقطع “أولئك المغتصبون الدمويون ،عشارين الخليج والأمريكان مع عصابة الصهيونيين، ثبّتوا حرابهم على الجدران” تقنيات غناء فلليزي كونه حاصلاً على العديد من الجوائز العالمية والوطنية. وقد قام بأداء “الريبيرتوار الأوبرالي الكلاسيكي والأوبرالي الخفيف إضافة إلى موسيقا الحجرة والموسيقا الدينية” لتنتهي الأغنية بمقطع “لكن الشعب السيد، وجيشه الباسل المجند رافع أياديه للسماء، لايستسلم لايتراجع”.
ملده شويكاني