ثقافة

مصطفى الخاني وخطاب درامي عبّر عن الهوية السورية

مصطفى الخاني “النمس” في باب الحارة من الشخصيات الدرامية التي فرضت حضورها في المشهد الدرامي لموسم 2016، فكان الحامل الأساسي والمحرّك للأحداث في باب الحارة الجزء الثامن-الذي تعرض لانتقادات كثيرة طالب بعضها بإيقاف عرضه رغم أنه الجزء الأقوى في سلسلة باب الحارة، لاسيما أنه أظهر الصورة الحقيقية للمرأة آنذاك، وتضمن الكثير من الإسقاطات الواقعية – إذ تمكّن الخاني من تجسيد شخصية مركبة تحمل نوازع الخير والشر وتمارس بعض سلوكيات المشاغبة، وفي الوقت ذاته تعيش صراعاً درامياً داخلياً حاداً، تنتصر فيه الطاقة الإيجابية التي تشدّه إلى التمسك بالعراقة والأصالة والبلد التي تجمعنا، ويشهد تاريخها على عظمتها.

ورغم بساطة الشخصية التي أوجد لها الخاني مفردات خاصة موظّفاً أدواته بالإيحاء بملامحها ابتداءً بالتحية الملحنة “إيه والله لعيونك ها الرقبة سدادة” إلى استخدام لغة الجسد وتبدل تعابير وجهه في إطار كوميدي، يحمل أبعاد الشخصية المتغيرة والمتطورة مع تصاعد الحدث الدرامي، لتأتي بخطوط درامية متعرجة ومنعطفات بعيدة عن النمطية والوتيرة الواحدة، وهذا ليس بجديد على الخاني الذي أتقن فنّ تبدل مناخات الشخصية لتنتقل من حال إلى آخر، كما رأيناه في الأعمال الأخيرة بدور راغب في حائرات، وسعيد في حرائر، كما تبدلت الشخصية من شخصية ضعيفة إلى شخصية قوية تنخرط في العمل السياسي والدفاع عن الوطن ضد الفرنسيين. تتبدل شخصية النمس الذي أوحى إلى المشاهدين في بداية العمل بفكرة الانتقام لموت أخيه الواوي، الذي كان يحرّضه من خلال عقله الباطن ورؤيته في الحلم، إلى حركات المشاغبة في إطار الثنائية الكوميدية مع الفنان جمال العلي، لتتضح حقيقة الشخصية بما تحمله من خطاب درامي بمستوى مختلف عن الحواريات الدرامية بين شخوص العمل.

محاربة الفساد
يمرر الخاني في شخصياته التي يجسدها رسائل هادفة وموجهة ومعبّرة عن محاربة الفساد، كما رأينا في المشهد الذي يحلل فيه موقفه الوهمي من السرقة بوجود العكيد “أبو النار”، “أنا سرقت حتى آكل وغيري بيسرق وما حدا يسأله”، ليقدم صورة أكبر عن الفساد وعن الرجال الشرفاء الذين يحاربون كل أنواع الفساد ليقترب أكثر من متطلبات الشعب مع أحداث الانتخابات وترشيح نفسه، ليمرر في أكثر من مشهد رسالة تصف مصداقية النائب الذي يتكلم بلسان الشعب ويعبّر عن أحلامه وآماله “الزنكيل ما بيحكي عن الفقير، الفقير هو اللي بيحس بالفقير”، بإسقاط واضح يشير إلى التشكيلات الجديدة التي حدثت في سورية رغم مكافحتها الإرهاب.

التعايش المشترك
ويتصاعد الحدث الدرامي وتدخل الشخصية في ذروة الصراع الداخلي وبرمزية واضحة عن الخونة الذين باعوا وطنهم مقابل المال، في المشهد الذي يزور فيه قبر أمه ويحكي عن معاناته من الفقر والجوع، ويحاول أن يسوغ اشتراكه في جريمة تهريب الآثار لأنه بحاجة إلى المال، لينهي الصراع بقوله “هدول أهلي وناسي ما فيي بيعهم” يتابع رسالته في المشهد الجماعي للمواجهة مع زهدي (الفنان فادي صبيح) الذي يعمل على تهريب آثار الكنيسة التي اكتشفها، وحفر السرداب المؤدي إليها في أحد منازل الحارة الذي اشتراه “إنت فين رايح هي البلد” وليشترك مع الزعيم (أبو عصام) الفنان عباس النوري بالحديث عن تاريخ سورية وقدمها وأصالتها وأبوابها السبعة التي تحمي كنوزها وثرواتها، وعن التعايش الديني والتلاحم الاجتماعي الذي تعيشه.

جماليات نحسّها
الجديد في الشخصية أيضاً قصة الحبّ التي يعيشها النمس ليوظّف المخرج الحبّ قيمة إنسانية تملك القدرة على التأثير المباشر على سلوكيات الشخصية، في إيماءة واضحة إلى الجماليات التي تمسك بها الشعب السوري في مواجهته الإرهاب والأحداث الدامية التي شهدناها.
ملده شويكاني