ثقافة

نكتب أساطيرنا

نستطيع أن نجزم أو نكاد أنه لا يوجد في هذه البلاد من لا يعرف ويجلّ بطلاً يدعى”يوسف العظمة” وهو أول وزير للحربية في حكومة سورية العربية، والذي وضع نصب عينيه أنه لن يدخل الفرنسيون البلاد إلاّ بعد بذل الدماء والأجساد في سبيل حماية التراب.
يوسف العظمة الذي عمل على لملمة ما بقي معه من جنود والعديد من المتطوعين من رجال ونساء من الغيارى الذين اختاروا أن يكتبوا أسطورتهم الخاصة في 24 تموز 1920، أسطورة تضاف إلى سجل الخالدين وأساطير الأولين من تاريخ أرضنا الحافل بقصص البطولات.. أليست توأم التاريخ والبطولات هذه البلاد؟!.
وفي سورية لكلٍ منا أن يكتب أسطورته بيده، فكيف بالذين اختاروا تسجيلها بدمائهم، ولم يقبلوا لجيشهم أن يسجل التاريخ يوماً تخليه عن رفع السلاح خشية مواجهة الأعداء، مثبتين أن طلبهم للموت حينها إن هو إلا سبيلاً للحياة الكريمة ولو بعد حين، يومها لم تتوقف بندقية البطل إلا وقد توقف القلب عن الخفقان، فنال الشهادة ودخل التاريخ وميسلون” القيم العليا والرمز”.
قد يعجز الكثيرون أن يتبيّنوا ما لميسلون من رمزية وما تحمل من قيم، ذلك على أنها وبرغم دخول الفرنسي البلاد إثرها، تبقى دليلاً على ما يتحلى به أبناء سورية من إرادة صلبة، في طلب الانتصار، انتصار مرهون عبر التاريخ أولاً وأخيراً بالإنسان، الذي شبّ على الوعي والإدراك، بأن الخيار الأجدى لحماية الأرض والكرامة هو خيار الصراع ومجابهة العدو الند للند. ودليل إيمان شديد بالحق والقضية، وبجدوى الصمود في وجه العدو مهما بلغ من قوة وصلف، من خلال أبطال ما كان “يوسف” أولهم ولن يكون الأخير، إذ ها نحن نعيش اليوم لنواجه ذات المخطط وذات العدو، فيطلع لهم في كل حين ومن كل زاوية “يوسف” جديد، و .. و… أولئك الذين أغنوا ذاكرتنا وقلوبنا عبر السنين والآتون كثر من الأجيال الجديدة يسطرون البطولات في كل حين، في رهان أن هذا العدو قاصر عن فهم، تاريخ حافل بالبطولات والأبطال ووقفات عز لهم، جميعهم وإن تعددت مشاربهم، على إيمان بلا استثناء أن فينا “قوة إن فعلت لغيرت وجه التاريخ” أوليست تفعل اليوم!! إذ يأتي يوسف من هنا ويوسف من هناك، مؤمناً أن كل قطرة دم تجري في العروق إن هي إلا “وديعة الأمة متى طلبتها وجدتها” وأننا وإن جار الزمان حيناً، أبناء أمة زاخرة بمعارك الفخار، أمة جديرة وقادرة على كتابة اسمها في سجلات المجد.
وبرغم سيل الدماء التي وشت الترابات تبقى ميسلون وسواها من بطولات ترسيخ لقيم من أنبل القيم الإنسانية، قيم الإيمان بالحق في الحياة وبذل الأرواح رخيصة في سبيل هذا الحق. وكي يبقى تموز رمزاً للفداء في سبيل عشق ما، وولادة الانتصارات الآتية ولو بعد حين.
بشرى الحكيم