ثقافة

سحرة الحرف..ومبدعو الكلمة

سهيل الشعار

بإبرة نحيلة يستطيع المبدع أن يحفر بئراً, ليصل بعد الصبر والانتظار والأمل إلى الماء العذب.
وبالإبرة ذاتها باستطاعته أن يشقّ نفقاً ليلتقي مع ولادة الفجر وضوء الصباح.
إن على المبدع أن يعرف ويبصر, وأن يرى ثماره بعد زراعة غرسه فوق الورق, فالمعرفة والبصيرة, والأمل والإرادة، والصبر والرجاء, جميعها أحاسيس ومشاعر يجب أن يتمتّع بها كل مبدع حقيقي, فبدونها لا يكون الإبداع صادقاً ولا صادماً, ولا مدهشاً وساحراً.
صحيح أن الموهبة ضرورية, لكنها دون فائدة إذا لم تُصقل وتهذّب, وتُسقى في كل صباح, فالشّجرة في الغابة تختلف عن الشجرة ذاتها التي نعتني بها أمام دارنا.
المبدع بدون معرفة، كقارب جميل مرمي في صحراء, وكطائر بلا جناح, وكنهر عذب لكنه لا يجري إلّا بين الصخور, ولا يسقي إلّا الشوك والحصى.
(إن الذين ينسجون خيوط الفجر من المبدعين الكبار, لا يعرفون أبداً معنى المغيب).
هكذا هو المبدع الأصيل، جسده الأرض, وروحه السماء.
إنه يشبه الطبيعة، يعرف متى يزرع الثلج والمطر فوق الحقول العطشى, وله الشّجاعة وقوّة الاحتمال في جني محصوله من العنب والتّين والزّيتون.
والمبدع, لا يُسمّى مبدعاً إذا لم يسحر ويدهش ويغيّر, والعبقري لا يُسمّى عبقرياً إذا لم ترتفع كلماته إلى أفعال, وفلسفته إلى وضوح, وبصره إلى بصيرة, إنهم أحجار كريمة, ليست بحاجة إلى مَن يُزيل عنها الصدأ والغبار, في حين أن التنك والصفيح بحاجة دائماً إلى مَن يلمّعه ويغسله, ويطليه بالألوان المذّهبة, ويدهنه بالعطور الطّيبة
أليس بيننا مَن يدّعي الإبداع والعبقرية؟! وهو في حقيقته ليس إلّا قطعة من التّنك الرّخيص, وعلبة فارغة من الصّفيح, صوته أعلى من رأسه, ولسانه أطول من عمره!؟.
في حين نجد المبدع الحقيقي, متواضعاً, هادئاً وصامتاً, لكنه تواضع القلاع في ارتفاعها, وهدوء العواصف قبل هبوبها, وصمت الأنهار العميقة قبل فيضانها.
(عندما يصبح الإنسان مبدعاً, لن يرى بعدها الأمور في العالم كما يراها الأشخاص العاديون. فالإبداع هو النّظر إلى المألوف بطريقة غير مألوفة, ورحلة الاستكشاف الحقيقية لا تستلزم الذهاب إلى أراضٍ جديدة, بل تستلزم الرّؤية بعيون جديدة).

souheil-alchaar@hotmail.com