ثقافة

بعد فوز فيلمها “ضجيج الذاكرة” بجائزة أفضل إخراج كـوثـر مـعـراوي: للأنـثـى بصمـتـهـا الـخـاصــة

يُعدّ فيلمها “ضجيج الذاكرة” الذي حاز مؤخراً على جائزة أفضل إخراج في مهرجان واسط السينمائي للأفلام القصيرة، من أكثر الأفلام السورية القصيرة التي نالت جوائز عبر مشاركاته في العديد من المهرجانات العربية، حيث سبق وأن نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الأول في سورية، وجائزة أفضل إخراج وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان أيام المثنى للفيلم القصير، وجائزة أفضل تصوير في مهرجان السماوة السينمائي الدولي الثالث للأفلام القصيرة في العراق، والجائزة الثانية في مسابقة المخرجات العربيات في مهرجان بغداد السينمائي الدولي السابع.. وفي حوارها مع “البعث” بدت مخرجته كوثر معراوي سعيدة بهذه الجوائز التي حصدها الفيلم، وبتلك المشاركات التي أكدت الحضور الخاص للسينما السورية الشابة، كما أنها سعيدة بمشاركة فيلمها “صمت الألوان” حالياً بمهرجان السماوة الدولي الرابع.

< أية خصوصية يتمتع بها فيلم “ضجيج الذاكرة” على صعيد النص والإخراج ليحقق هذا الحضور في المهرجانات العربية وينال العديد من الجوائز؟.
<< الجديد فيه هو طريقة طرح المشكلة وطريقة تقديمها إخراجياً، حيث الذاكرة توازي الحاضر في المشهد، أما قصته فليست بجديدة، فهي تتحدث عن مشكلة من مشكلات التفكك الأسري،ّ من خلال حكاية فتاة تُدعى سعاد ترى طفولتها المريرة تمر أمام عينيها وهي في منزل والدتها، وحالة العنف الدائم والخلاف الذي كان سائداً بينهما، إضافة إلى حالة الرفض التي كان يبديها والدها تجاهها في الصغر وتبدّل موقفه لاحقاً عندما كبر وشاخ الأب وأصبح بحاجة إلى الرعاية، مصوِّراً مشاعر سعاد الصغيرة التي تبقى مرتبطة بالأم، من خلال منزل طفولتها الذي شهد أسوأ أيامها.

إغراء الفيلم القصير
<المتتبع لمسيرتك الفنية يلحظ انحيازك للفيلم السينمائي القصير، فهل هو انحياز حقيقيّ لما تحبين وتريدين؟ أم أنه انحياز بحكم الضرورة؟.
<< أولاً الأفلام القصيرة نصاً وإخراجاً هي من الأعمال المهمة والمغرية لصعوبتها، فالاختزال نصياً وبصرياً وسمعياً عملية صعبة جداً، ولها خصوصيتها، ويحمل الفيلم القصير جميع مقومات ومراحل تحضير وإعداد الفيلم الطويل ولا يقل عنه قيمة بنظري.. وأيضاً هناك قلة فرص تقديم عمل روائي طويل، فأنا أتمنى أن أخوض غمار الأعمال الطويلة كفيلم أو مسلسل، ولديّ شغف كبير لذلك، بالعموم علاقتي بالفيلم القصير بدأت من خلال النص، فأنا تدربت سابقاً في المعهد كسيناريست، وأخذتُ شهادة بذلك ولكن لم أوفق رغم سعيي الدؤوب والدائم ليرى نص من نصوصي النور، ولكني لم أشعر باليأس، وعلى مدى 15 عاماً لم أبتعد فيها عن الفن، فلقد عملتُ في كل مجالاته واستمتعتُ بها وبدأتُ بمقارنتها مع ما درستُه في فن السيناريو، فقد عملتُ كممثلة في البداية ولكني لم أجد نفسي أبداً، ثم كسكريبت واستكشاف هذا العالم من وراء الكاميرا، ودهشتي الكبيرة في التعرف على الكاميرات وما تستطيع فعله وتقنياتها، وتعرّفي على ما يفعله العاملون خلف الكاميرا وتعبهم واستمتاعهم بعملهم، ثم عملتُ كمخرج منفذ ومخرج مساعد، وكنتُ العين المراقبة لكل شيء، إلى أن جاءت فرصة لأقدم أحد نصوصي التي كتبتُها سابقاً لترى النور، وشكري الكبير للأستاذ محمد الأحمد الذي منحني هذه الفرصة، وبتراكم الخبرة عبر السنين كانت عملية الإخراج بالنسبة لي هي إعادة كتابة النص، لكن بصيغته البصرية الحية الممتعة، وكان التحدي أكبر، لأنه فيلم قصير بقدر استمتاعي بتنفيذه بقدر خوفي وربما هو ما كان سبب نجاح الفيلم.
< ما هو تقييمك لمسيرة مشروع سينما الشباب بشكل عام؟ وكيف السبيل لتطويره؟
<< مشروع مهم جداً وذو قيمة بدعمه المواهب الشابة، بغضِّ النظر عن الدراسة والاختصاص الذي يحمله المتقدم لهذا المشروع، كما أن افتتاح دبلوم العلوم السينمائية وفنونها برعاية وزارة الثقافة والمؤسسة العامة للسينما يُعتَبَر بنظري خطوة تكميلية وداعمة لهذا المشروع، وكان يجب أن يسبقه لتنفيذ الشباب لمشاريعهم بحرفية ومعرفة تفاصيل هذه المهنة المهمة لإعطاء نتيجة أفضل، ويجب ألا يقتصر دعم المشروع بافتتاح الدبلوم بل وتدريب المتقدمين بعد أخذهم الشهادة بشكل عملي في الأفلام التي تنتجها المؤسسة العامة للسينما قبل أن ينفذوا مشاريعهم في مشروع دعم سينما الشباب، والمؤسسة العامة للسينما مشكورة لسعيها الدائم لدعم وتطوير السينما بجميع أشكالها وأطيافها وتنوعها وتفعيل دور الشباب فيها، ولولا هذا المشروع الذي أطلقتْه لربما ما رأى فيلمي النور أو لم أجد فرصة لتقديم نفسي من خلالها، ففي الفن الاعتماد ليس فقط على ما يملكه الشخص من إلمام ومعرفة ودراسة وخبرة وموهبة، فكل ذلك يتوقف على إعطاء الفرص التي ننتظرها دائماً ونتحينها من القائمين على الشركات والمؤسسات المختصة، ففي بداية مشواري كنت أكتب النصوص وأقدمها وألقى الرفض، لكن بعد فترة أرى بعضاً منها يُعرض باسم وطريقة كاتب آخر، وكان ذلك يزيدني إصراراً واقتناعاً بأن ما اكتبه جيد.
< عادت ظاهرة سينما المخرج المؤلف بقوة من خلال أعمال سينما دعم الشباب، فكيف تفسرين ذلك؟.
<< النقص الشديد في النصوص الجيدة المقدمة جعل أغلبية المخرجين يلجأون إلى الكتابة، ولكل عمل سلبياته وإيجابياته، والكتابة هي حرفة بحدِّ ذاتها، والقصص في العالم ليست كثيرة ومتشابهة، ولكن طريقة طرح الفكرة أو القصة هي التي يجب أن تكون جديدة ومبتكرة وذكية، ففكرة أو قصة “ضجيج الذاكرة” ليست بجديدة ومكررة ومتشابهة وتحدث كثيراً، لكن طريقة الطرح كانت مختلفة فنجحت، وهنا يكمن نجاح الكاتب، أما بالنسبة للمخرج المؤلف في سينما دعم الشباب فهي عبارة عن اختبار لمواهب الشخص المتقدم، وليست كل النصوص لصاحب العمل، فأحياناً يكون كاتب السيناريو في المشروع ليس المخرج ذاته، ومن وجهة نظري المخرج المؤلف المحترف يأتي يوم ويجف قلمه، أما المؤلف المخرج فلا أظن ذلك، إذ ربما يترك المؤلف المخرج الإخراج ويتفرغ للكتابة، أما المخرج المؤلف فنادراً ما يترك الإخراج ويلجأ للكتابة، وأنا مع إخراج عمل ليس من تأليفي لأنني أؤمن بوجهات نظر ورؤية وتفكير عقل آخر لفكرة ما أو قصة ما، فهذا يدعم العمل دائماً وأحب المشاركة لأنها مفيدة وتغني العمل الفني أحياناً ليصل إلى عمل متكامل من جميع جوانبه، والعمل الفني عموماً هو عمل جماعي وليس فردياً.

صمت الألوان
<حدِّثينا عن تجربتك السينمائية الثانية “صمت الألوان” كعمل سينمائي احترافي وما الذي غيّر فيك كمخرجة وكاتبة؟.
<<“صمت الألوان” كان التحدي الثاني لي بالنسبة لما اكتسبتُه من خبرة ومعرفة في عالم الفن والكتابة، وهو تأكيد على أن السنوات التي عملتُ بها في الفن لم تذهب سدى، وأن إصراري على تحقيق حلمي يسير في الطريق السليم، وبالنسبة للإخراج فأنا لا أميز بين الإخراج والكتابة، فعيني ترى المشهد قبل أن تكتبه يدي، لذلك عند التنفيذ أعرف بالضبط ماذا أريد أن يرى المُشاهد، فلا أصور ما لا حاجة لي به، و”صمت الألوان” في عرضه الأول لاقى الاستحسان وأحبه البعض أكثر من فيلمي الأول “ضجيج الذاكرة” وهذا شيء جيد بالنسبة لي، وكل عمل له خصوصيته وتجربته الخاصة، وأنا أتعلم من كل عمل أشياء وتفاصيل جديدة، وهذا شيء ممتع جداً ومهم ويزيد عيني اتساعاً.
< قلتِ بعد عرض “صمت الألوان”: كل فيلم يحقق نوعاً من الطموح أو جزءاً منه”،  فما الذي تحقق من طموحك بهذين الفيلمين؟ وماذا تبقّى من هذا الطموح لديك؟.
<< الطموح لا ينتهي ولا يتوقف عند حدّ، ولكنه يكبر ويتسع ليطاول السماء أحياناً، وتحقيق جزء من الطموح بعد سنين طويلة شيء جيد جداً، لكنه ليس كل شيء، وطالما أنا أعيش فطموحي لن ينتهي أبداً ولن يقف عند حد معين، لكن هي مسألة فرص ووقت فقط.
< بعد غياب الحضور النسائي عن ساحة الإخراج في سورية لفترة من الفترات نلحظ عودة قوية للمرأة إلى هذه  الساحة، ومن خلال مشروع سينما الشباب بشكل خاص، كيف تفسرين هذا الحضور؟.
<< للمرأة بصمتها الخاصة في الأعمال الفنية وهي تتباين بين امرأة وأخرى من حيث المخزون الثقافي والمعرفي والتعليمي وحتى التدريبي في هذا المجال، ولذلك لا يمكن المقارنة بل يمكن أن يقيَّم العمل من حيث القيمة الفنية والإبداعية للنص، ولأسلوب الإخراج الذي يحمله العمل، ويجب أن يدعم ويعزز دور المرأة في الفن، وخاصة على صعيد الإخراج، وأشجِّع بشدة هذه الظاهرة، فالإخراج كما المهن والحرف والاختصاصات الأخرى لا يتوقف على الذكور فقط، فللأنثى بصمتها الخاصة والمميزة والجميلة أينما وجِدَت.
< خوض تجربة الكتابة أو الإخراج للتلفزيون أمر مغرٍ للكثيرين، فهل هي كذلك بالنسبة لك؟
<< طبعاً الأمر مغرٍ، وأنا لديّ شغف لذلك، والعمل التلفزيوني لا يقل أهمية عن العمل السينمائي، وجمهوره أوسع ومتنوع أكثر وله خصوصيته وجمالياته، وأتمنى أن تأتي فرصة لذلك، لكن نحن محكومون بعقلية أو مفاهيم أو قوانين القائمين على توزيع هذه الفرص ومنحها للآخرين.. وفي النهاية شكري الكبير والعميق للمؤسسة العامة للسينما فهي كانت بمثابة بيتي الثاني باحتضانها لي لسنوات طويلة حيث عملتُ في أغلب الأفلام التي أنتجتْها وتدربت واكتسبت الخبرة الكبيرة في العمل فيها قبل أن تمنحني فرصة أول فيلم في دعم سينما الشباب وفرصة الفيلم الاحترافي الثاني.

أمينة عباس