ثقافة

في القراءة..أيضاً مـــاذا نقـــرأ؟!

غسّان كامل ونّوس

…لا شكّ في أن مجالات القراءة وموضوعاتها متعدّدة وواسعة، وهي تزداد، وتتّسع، مع زيادة المعارف والعلوم والتخصّصات؛ والسهولة واليسر في الوصول إليها؛ كما تتنوّع المصادر والمراجع، والأفكار والأقوال.
والأمر يتعلّق بالهواية والهاجس والاهتمام، ويختلف وقعه وسلوكه وانعكاسه، بين الأجيال والبيئات والظروف العامّة وأحوال الناس. ففي الأدب، وقد يكون السؤال: ماذا نقرأ؟! أكثر جولاناً في فضاءاته، لمن يريد أن يكون كاتباً أو أديباً، ستُسأل عمّا تُفترض قراءته من مؤلّفات وسير، وحكايات وعبر؛ وهل القديم أسلس وأدسم وأقوم؟! أم الحديث (زمناً واصطلاحاً) أقرب وأجدى وأكثر مناسبة؟! وماذا عن الأجناس الأدبيّة، ما تكرّسَ منها، وما يستجدّ؟! والمدارس الفنّيّة، والأفكار النقديّة…؟! ومنها ما بدأت بالتاريخ، ثم دارت في البيئة، إلى أن أحاطت بالمؤلّف، وتخصّصت بالنصّ من بعدُ، حتّى وصلت إلى القارئ؛ القارئ المهتمّ، الذي يمكن أن يكون له دور في تأويل النصّ، واحترامه، وتأصيله، وتخليده، وليس قارئاً عابراً مدّعياً، يفاجئك في كلّ مرّة ليقول لك: لمن تكتبون؟! مع مشروعيّة هذا السؤال، وضرورة البحث فيه!.
وفي الطريق إلى هذا المستوى من القراءة، ماذا على القارئ أن يبدأ به، أو يمضي معه،وإليه؟! وما هي أمّهات الكتب، وجدود النصوص، والذريّة النجيبة أو العاقّة، من الكتابة والكتّاب؟!.
وهناك أسئلة أخرى مرافقة، تفرض نفسها، أو تحيد، لتترك للإمكانيّة، والمصادفة والحيّز، الإسهام المؤثّر في سيادة هذا الجنس، أو ذاك النوع، أو تلك التجربة؛ هل القصّة المناسبة لإيقاع الحياة المعاصرة هي الملاذ، أم الشعر، ديوان العرب الذي كان؟! وماذا عن الرواية ديوان العصر؟! والمسرح أبي الفنون؟! فأين أولاده وأحفاده؟!.
(تمكن الإشارة مثلاً إلى محافظة أو أكثر في سوريّة، لها حضور نثريّ قصصيّ وروائيّ بارز؛ كإدلب، والرقّة؛ وأخرى أكثر حضوراً شعريّاً؛ كحمص، ودير الزور؛ مع قدر متفاوت قليلاً في البروز فيما بين الأجناس الأدبيّة المتعدّدة في محافظات أخرى.).
وثمّة أسئلة أخرى أكثر معاصرة: هل حضور الكتاب الورقيّ كافٍ ووافٍ، ويستمرّ التعامل معه، كما كان؛ بالرغم من تبرّجه، وتزيّنه، وتسرّعه، وتناقص نسخه أحياناً؛ فيما ثمنه يزداد؟! أم أنّ المسارات تتسارع إلى الشبكة العنكبوتيّة، وتضيع في مَدَياتها الالكترونيّة الأوقاتُ والأعصابُ، وتُضطرّ، للوصول إلى ما يجدي، وتصفّح ما يمكنك من دون تعمّق، أو تحميل ما ترغب بقراءته لاحقاً- أن تعبُرَ سلاسل الإغراءات، ومشاهد المزاودات، وصفحات الإعلانات والدعايات. فهل في كلّ هذا جواب نصوح؟! أم متاهة أخرى، قد يضيع فيها من تسعى من أجله، وتتمنّى له الهداية والرشاد؟!.
لا شكّ في أنّ الراغب بالخوض في محيط الثقافة والأدب، يحتاج في إبحاره الشائق الشائك، إلى كلّ ذلك، أو شيء مهمّ منه؛ مع اهتمام أكثر بالنثر، إن كانت لديه هواية به، أو بالشعر، إذا كان ممّن يستمتعون بإيقاعه الخارجيّ أو الداخليّ، والتركيز على ما يناسب مجالات أخرى، إذا ما كانت من ضمن هواياته؛ ومن المهمّ أن تكون لديه القدرة على الاختيار، وتحديد وجهته وسلوكه، والجرأة والمبادرة والإرادة، مع تقبّل الحوار والنقد، وعدم اليأس ممّا قد يصيبه من تعثّر، أو خيبة، أو آراء محبطة، لا يبخل الواقع في إلقائها في سبيله؛ كما أنّ عليه الحذر من المبالغة في الامتداح، والاستثمار أو (الاستغلال) في تعميمٍ وتعويم، لغايات غير نبيلة!.
ولا بدّ من أن يكون للكتاب والمجلّات الثقافيّة مكان لائق وحركة منظورة، في كلّ بيت، أو مسقرّ، ولا بدّ من التعوّد على زيارة مكتبة المدرسة، والترويج لها، وارتياد المراكز الثقافيّة والمكتبات العامّة والانجذاب إليها، ومرافقة معشر الأدباء والمثقّفين المحترمين، ومتابعة معارض الكتب، والندوات، والنشاطات الأخرى.
ولكن، وقبل كلّ شيء، ومع كلّ شيء، لا بدّ من إتقان اللغة، التي يُكتب بها، صياغة ونحواً وإملاء وعلاماتِ ترقيم، وقراءة صحيحة بإحساس لا يخفى، ونبرة مناسبة؛ فلا يمكن التخويض المجدي والفعّال في المجال الأدبيّ من دون هذا الزاد.
وأخيراً.. ربّما تصحّ بنسبة كبيرة العبارة المعروفة، مع تصرّف ينسجم مع الحال: “قل لي ماذا تقرأ، أقل لك من أنت”!.