ثقافة

قراءة في ديوان (يوم تنتهي الحرب).. للشاعر ماهر رجا

لعل الذات الشاعرة بما تتمتع به من حساسية مفرطة تجاه الحدث والأزمات الإنسانية قد تفقد تركيزها على أدواتها الإبداعية، فتنتج أدباً لا يرقى إلى السوية التي عودتنا عليها، وهذا ما لمستهُ في آخر إصدارات الشاعر ماهر رجا حيث جاءت معظم قصائد ديوانه (يوم تنتهي الحرب) تعاني من ضعف في تماسك المبنى والمعنى والرتابة، كما جاء في قصيدة (في السكون..) وفي قصيدة (في اليوم التالي) أسلوب الاستفهام والاستنكار طاغياً، واستخدم الشاعر ذات اللفظة (هل) في فاتحة معظم سطور القصيدتين.. وكذلك كرر لفظة التمني (لو) كثيراً جداً في القصيدة التي حملت عنوان (لو خطوة لو خطوتان) وجاءت معظم عبارات قصيدة (ذلك الشخص) معطوفة على ماقبلها وكرر كاف التشبيه كثيراً جداً في قصيدته بعنوان (البقاء وحيداً) مما جعل العديد من القصائد تصب في قوالب تفقدها القدرة على جذب القارئ لمتابعة القراءة.
ومن القصائد الموفقة والمميزة في الديوان قصيدة (ضمير الغائب) ومما جاء فيها:
“في وقت الحرب المثخن.. تتكاثر صفة الغائب.. مات (هو) الآن على خندق.. و(هي) ارتدت الليل.. (هم) ينتظرون الشيء الغائب.. (هنا) تعلمنا من الأشجان.. وصرن وحيدات في القرية
(هو) طفل كان يحاول أن يتعلم.. كيف تطير الأشياء.. ويرسم للألعاب المقتولة أجنحة
(هم) يمضون الآن.. إلى وكر الريح البحرية.. (هم) في الموج الآن ولم ينجُ القارب.. وهنالك غرقى وجدوا وقتاً للنوم أخيراً”.
رغم الطابع الملحمي لمعظم قصائد الديوان، إلا أن بثَّ روح الأمل لدى القارئ كان حاضراً، وقد أشار الشاعر ضمناً أن الأرزاء حين تهدد وجودك دون أن تلغيه فهي تفجر فيك المزيد من الأمل كلما تعاظمت. فحتى الفلسطيني الذي هُجِّرَ من أرضهِ من مدرستهِ سيتعلم أبجدياتٍ في الشتات والاغتراب القسري ليوظفها في خدمة قضيتهِ، مسألتهِ الوجودية.
في القصفِ ضوءٌ لم يمت مازال يرفع طيفهُ
وسط الحطام على سراجٍ لم يمت
ستظلُّ دمية طفلٍ فوق الحجارة وجهها
عينان تتسعان في باب الغبار ولا تموت..
وقد بين الشاعر أن العدوان على مفردات الأرض والطبيعة -التي جعل الإنسان الفلسطيني جزءاً منها– (الشجرة، الدار، الإنسان، الشواطئ، الدروب..) كيف أن هذا العدوان يصهر هذه المفردات الطبيعية في مشهدية أكثر تماسكاً، وأدخل مفردات لطالما ارتبطت بالقضية الفلسطينية ليرسم مشهديتهُ الحيوية، مؤكداً على أن فعل المقاومة هو الثابت مهما كانت هناك محاولات لتغيير معالم الأرض بما يخدم الكيان العدواني العنصري.. حيث قال:
وهناك أسوارٌ إذا ارتفعت ستصبح خندقاً
وفي قوله:
وهناك أشلاءٌ ستجمعها الشظايا
نجد أنه يخبرنا بمنعكسات العدوان التي تأتي خلافاً لإرادة الكيان الصهيوني الإرهابي.. فوفق الواقع السيكولوجي للكائنات التي تمارس الحياة الاجتماعية.. التقارب والاتحاد يزداد فيما بينها حين يتهدد وجودها خطرٌ جلل. ويأتي بين السطور قولهُ: إن عدوانكم علينا ومحاولاتكم لتمزيق حياتنا بحصاركم وإرهابكم سوف يجعلنا أكثر تماسكاً. ويؤخذ على النصوص غلبة السرد وتهاوي بعضها في قبضة التشظي.

سامر منصور