ثقافة

“مرصد” حنا مينه.. خير دليل

شكّل الحدث التاريخي حافزاً ومحرِّضاً للآداب والفنون على التفاعل مع الواقع، وعلى المزيد من الجنوح نحو متابعة الحراك الاجتماعي والسياسي من منطلق أن الآداب والفنون هي المؤرِّخ والموثّق لكل ما يمكن أن يطرأ على المجتمعات من تغييرات جذرية أو سطحية تؤثر بشكل أو بآخر على الحركة الاجتماعية بكافة مظاهرها وأطوارها.
ومما لا شك فيه أن ثمة عوامل عديدة تساهم في نجاح الأعمال الأدبية والفنية التي تتناول الأحداث التاريخية بكافة نواحيها، أهمها توفر حالة من التماس المباشر بين الكاتب-الفنان المبدع من جهة والحدث الذي يتناوله من جهة أخرى، فإذا حصرنا الحديث عن الآداب والفنون في بلادنا التي تناولت الأحداث التاريخية لوجدنا أن مبدعي هذه الأعمال غالباً ما تمكنوا من ملامسة الحدث التاريخي بسبب نقاط التماس المتعددة التي جمعتهم معه، فالكثير من الأدباء السوريين الذين تناولوا أحداث حرب تشرين التحريرية التي نحتفل بذكراها هذه الأيام شعراً وقصة ورواية كانوا في تلك المرحلة يخدمون في صفوف الجيش العربي السوري، ومَن لم يخض هذه التجربة كان على اطلاع مباشر على تفاصيلها من خلال صديق أو زميل أو أخ أو قريب، لذلك لم يكن من المستغرب أن يظهر هذا الأدب بمظهر القطع الفنية المتغلغلة في تفاصيل الحدث التاريخي وتجلياته، ولنا في رواية “المرصد” للأديب حنا مينة خير دليل، إذ يشير الباحث جمال أبو جهجاه إلى أن هذه الرواية محكمة من حيث النسيج الفني والإنساني والوطني والقومي، ويؤكد ثقته بأن مينه قد التقى بالأبطال الذين اقتحموا مرصد جبل الشيخ، ويقارن أبو جهجاه بين ما قرأه في الرواية من تفاصيل عملية اقتحام المرصد، وما سبق أن سرده البطل نايف العاقل قائد إحدى المجموعات التي اقتحمت المرصد من تفاصيل البطولات التي أبداها أبطال الجيش العربي والسوري وهم يسطرون إحدى أروع ملاحم حرب تشرين التحريرية، لكن هذا السرد –كما يؤكد أبو جهجاه- جاء من قبل حنا مينه بأسلوب ينقل القارئ إلى عالم من الأساطير: “إن عقارب الساعة فيما تبقّى من وقت لا تقطع مسافة بين رقم ورقم، فمع كل تكّة تنقضي ثانية، ومع انقضاء كل ثانية يودع الزمن مرحلة الماضي وتقترب تلك اللحظة الكبيرة المجيدة للأمر الذي سيكون فاصلاً بين عهدين، قبل تشرين وبعده.. فكَّ القائد الكبير ساعته من معصمه ووضعها على الطاولة، وراح يحدق فيها حابساً أنفاسه، وتوسعت حدقتاه وتوسعت معهما رقعة الساعة واتسعت، وتقارب العقربان، إنها الثانية ظهر السادس من تشرين، دقت ساعة الحرب، يحيا الوطن، وردد الضباط من أركان الحرب يحيا الوطن وتعانقوا، ضجت القاعة بهم، انتقلوا في الزمن من مرحلة إلى أخرى، انتصبت قاماتهم، وقال القائد: أيها الإخوة، ها هي الساعة التي كنا ننتظر”.
وبعيداً عن “مرصد” حنا مينه ثمة العديد من الأعمال الإبداعية في مجالات الشعر والقصة والمسرحية والمسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي، كلها حاولت أن ترصد هذا الحدث التاريخي المفصلي الذي ما زال حتى اليوم يلهم مبدعينا العديد من الأعمال في مختلف مجالات الإبداع.
أمينة عباس