ثقافة

معلولي وفتح الله وجلنار في فعالية “سورية بوابة التاريخ”

“مهما دفعوا بإرهابيين ومسلحين  ستبقىسورية حاضرةً في كل مكان وزمان، فهي البلد التي توزع شروق الشمس إلى كل العالم” بهذه العبارات تحدث المطران لوقا الخوري في احتفالية يوم السياحة العالمي في الأوبرا تحت شعار “السياحة للجميع”، والتي اتكأت على كل ألوان الثقافة لإظهار العلاقة التواشجية التي تربط بين السياحة والثقافة، ستبقى سورية صامدة بأبطال جيشها العربي السوري وبتضحيات شهدائها، وهذه رسالة الشعب السوري حملتها مشاهد الفيلم التعريفي التوثيقي بسورية الذي شغل حيزاً من الفعالية، التي تنوعت بين معرض الصور الضوئية لمواقع التراث السوري، والتوثيق البصري، والرقص والموسيقا والغناء، بمشاركة فرقة جلنار وأوركسترا المعهد العالي للموسيقا بقيادة المايسترو أندريه معلولي، والعزف المنفرد على العود للمايسترو عدنان فتح الله، واختُتمت الأمسية بتكريم عدد من  أصحاب المبادرات الإيجابية التي أقيمت من أجل سورية في زمن الحرب.

تجلت مهارة العازفين السوريين في أوركسترا المعهد العالي للموسيقا بقيادة معلولي عبر عزفهم بعض المقطوعات التي عزفتها سابقاً الفرقة السيمفونية الوطنية السورية، وكذلك التأثير البصري بعرض صور متلاحقة على الشاشة الكبيرة تترجم شيئاً من الحلم والرومانسية لنغمات الوحدة الموسيقية المتكاملة للأوركسترا.

الثالوث الوحيد
والملفت والمؤثر في الفيلم الذي افتتحت به الأمسية أنه جاء بلسان أنثى تتقمص شخصية سورية وتبوح بوجعها بماضيها وحاضرها بحربها وسلمها، متضمناً مشاهد لهمجية الإرهاب التي طالت البشر والحجر، فبدأت سرد حكايتها من الحرف الأول الذي أرسلته إلى البشرية لتسطر أبجديتها، وهي التي عزفت لحناً فأصبح سيمفونية عالمية. وصوّر الفيلم المناطق الأثرية والتاريخية في سورية، وتطرق السرد إلى الألقاب التي أطلقها الباحثون على سورية، فمنهم من قال: إنها المتحف المفتوح على العالم، ومنهم من قال: إنها جنة الأرض وبوابة الشرق، وإنها الثالوث الوحيد في العالم الذي يجمع التاريخ والتراث والطبيعة، لينتقل الفيلم إلى تصوير الواقع الحياتي لسورية فهي البلد التي كانت الأكثر أمناً وأماناً في العالم والتي فتحت حدودها للجميع.

من أجل من رحل
وتتغير أنماط الموسيقا في الفيلم فتصبح متأججة مع بداية قصة الإرهاب والمؤامرة على سورية، فتتالت صور توثيقية للخراب والدمار الذي لحق بسورية جراء العمليات الإجرامية التي نفذها الإرهاب بحق المواطنين السوريين، لكن مشاهد الألم حملت رسالتها إلى الشعب السوري رسالة البقاء والاستمرار، لتنهي الأنثى حكايتها بتصميمها على البقاء من أجل من رحل من أجل شهدائها.

العود والإرهاب
والتصميم على البقاء من أجل الشهداء تابعه المشهد التعبيري للفلكلور الشعبي بلوحات صغيرة جماعية وثنائية وإفرادية للصوليست، قدمتها فرقة جلنار بإشراف مؤسسها علي حمدان عبر عرض حكاية وطن، لتسرد لغة الجسد حكاية حبّ على امتداد جغرافية سورية التي حاول المعتدون تدميرها، لكنها صمدت من أجل شهدائها. ولتبدأ أوركسترا المعهد العالي للموسيقا بقيادة المايسترو أندريه معلولي بعزف مقطوعة”أهكذا كانت” تأليف المايسترو عدنان فتح الله، وهي حوارية بين نغمات العود التي أخذت دور اللحن الأساسي مع الفرقة بمواضع العزف المنفرد ومواضع العزف التشاركي مع آلات الأوركسترا، باحت بمشاعر مختلطة من خلال فاصل العود في الانتقال الموسيقي الحاد الذي باح بقسوة ماحدث وما عشناه فتتغير الجمل اللحنية لتصبح قصيرة وحادة وحزينة وتنتهي بنهاية صادمة للعود. وقد أبدع فتح الله المنتمي إلى مدرسة منير البشير بالعزف المنفرد الذي تخلل المقطوعة، التي بدأت بمقام الكرد بجمل لحنية سريعة ورشيقة للوتريات ليأخذ العود المنفرد دوره مع الإيقاعيات، ثم ينتقل اللحن إلى مقام العجم بمساحة للارتجال بلحن راقص تمهيداً لمقام البيات الذي ينتهي بمقام الكرد درجة صول-كما ذكر فتح الله.

التانغو الجديد
ومن الألحان العربية انتقلت الأوركسترا إلى الإيقاع السريع للتانغو الجديد للمؤلف آستور بيازولا الذي دمج بين الموسيقا الكلاسيكية والجاز والتانغو التقليدي واستخدم آلة الباندونيون، إذ قدم معلولي مع الفرقة السيمفونية سابقاً بعض أعماله مثل فصل الخريف، وفي هذه الأمسية اختار مقطوعة” ليبر تانغو”وتعني الحرية، وقد انسابت ألحانها بإيقاع راقص وجمل لحنية تتميز بحركة وحيوية بتوازي الوتريات والإيقاعيات الغربية للتيمباني وغيرها مع صدى النحاسيات، وزادت الصور الملونة المعبّرة المتتالية لرقصة العاشقين ولملامح الأمكنة من مدن المؤلفين الموسيقيين من جمالية الألحان والتأثير البصري على الجمهور، ومن التانغو الراقص إلى رقة الوتريات والإيقاع الدرامي الهادئ مع حضور الفلوت وآلات النفخ الخشبية في مقطوعة دي فيليديرماوس ليوهان شتراوس، ليتصاعد الإيقاع الدرامي للأمسية بعزف مارش سلاف لبيتر تشايكوفسكي بمهارة عالية،   ويتميز بحوارية جماعية لجميع الآلات بمستويات موسيقية متعددة، وبمخاطبة الوتريات للنحاسيات والإيقاعيات والصنجات، ليظهر الصوت الأقوى للآلات النحاسية التي تثير المشاعر الحماسية المتأججة.

التراث أوركسترالياً
واختتم معلولي الأمسية بمختارات من التراث السوري، وزع أوركسترالياً بعزف أكاديمي ودخول الآلات الشرقية “القانون والعود والبزق والدف والطبلة” فقدمت الأوركسترا عدة أغنيات مع الكورال منها: “يا شجرة الليمون ياعينيي” ومختارات من جميع محافظات سورية.

روح خالد الأسعد
وفي ختام الأمسية كرّم وزير السياحة بشر يازجي بعدد من الأشخاص وجهات رسمية وخاصة وأهلية، وقد كانت روح الشهيد خالد الأسعد حاضرة في التكريم واستلم ابنه شهادة التكريم. كما كُرّم المايسترو أندريه معلولي لكل ما قدمه ولجهوده في استمرار التواصل الموسيقي الداخلي والخارجي، والعمل على تطوير الموسيقا في زمن الحرب، وإقامة الأمسيات الكبيرة المرتبطة بمناسبات دينية ووطنية، وكُرّم أيضاً الفنان اللبناني غابريال عبد النور على مشاركاته الكثيرة في الفعاليات السورية في زمن الحرب.
وحول التكريم قال الفنان عبد النور: “أنا سعيد بتكريمي في هذا اليوم على مسرح الأوبرا الصرح الحضاري الثقافي الذي أظهر للعالم بأن سورية رغم كل المآسي التي تعيشها من قتل وتخريب وتدمير لحضارتها تتمسك بإرادة الحياة  والجمال، فالتكريم يعبّرعن محبة الجمهور السوري لي ومحبتي لهذه الأرض المقدسة التي أشعر بأن وجعها وجعي، وكل لحظة أعيشها فيها، تقديم أعمالي الغنائية على أرضها هو  انتصار لإنسانيتي، وتتويج لمسيرتي الفنية بالغناء الملتزم وبالمضمون الفكري والثقافي، والدعوة إلى السلام والتشاركية الحياتية.
ملده شويكاني