ثقافة

يـكـادُ الـمـريـب

وكأنما كتب علينا أن نبقى هدفاً مستمراً وضحايا بلاء ما يسمى الحريات والديمقراطيات الجديدة وما يتبعها، أو لعله بلاء التاريخ الذي يخرج علينا كل يوم بقصص وحكايات الذئاب التي لا تنتهي ولا تبدل من طباعها، وقد يكون الذئب مفترساً، أو لنعترف أنها الحقيقة، لكن الحقيقة الموازية هي في أن الغباء صفة باتت لصيقة به وصارت حججه أكثر من مكشوفة لم تتغير رغم توالي الأزمان، إذ يحاول وهو اللص ارتداء ثوب الحارس، وتلك قمة المهازل.
ليست المرة الأولى بالطبع التي يتعرض فيها تاريخنا وتراثنا وآثارنا لظلم التاريخ، إذ لا يمكن لمشاهد الحرق المتعمد التي طالت مكتبات بغداد أو لعمليات الإغراق التي تمت في دجلة حتى لونته بالأسود، أن تمحى من الذاكرة، ولا يمكن للعقل أن ينسى عمليات الإعدام للمخطوطات وخزائن التراث في قرطبة وغرناطة، ولا تزال دلائل سرقات آثار عالمنا العربي تزين متاحف العالم إذ هو يفاخر بامتلاكها وإن بالحيلة أو الغش.
ولا يخفى أن الأمر لا يتعلق بذلك الحبر المكتوب على أوراق ومخطوطات أو تلك المنقوشة على حجارة،  بل هي الثقافة والحضارة وذاكرة بشرية وحضارات عريقة تُستهدف منذ فجر البشرية ومنذ أن تفتحت الأعين على “آخر” هو نحن بات عدواً لهم بالرغم من أسبقية فعله الحضاري على هذا الكوكب، وباتت النداءات والدعوات تتكرر وتقول بحماية هذا “الآخر” بينما النوايا والأفعال تقوم بتدميره بغية إلغائه.
ولن تكون الدعوة التي يروّج لها اليوم لنقل آثارنا إلى بلدان أخرى بغية الحرص عليها من يد الإرهاب؛ إلّا حجة مكشوفة لوضع اليد على ما لم تستطع تدميره أو الحصول عليه بالتهريب أو السرقة، وإن هي إلا دعوة كسابقاتها؛ تلك التي ارتفعت إثر تدمير طال آثار على امتداد دول هي بالتحديد التي تشكل هدفاً لوضع اليد؛ من آثار أفغانستان إلى تراث “مالي” إلى ما جرى في العراق؛ من تهديد لمتحف الموصل وآثار نمرود ومدينة نينوى التاريخية، أو هذا الذي يجري منذ وطئت قدم المحتل تراب فلسطين وحتى اليوم، بينما العالم يراقب بعين ويغمض الثانية، والآذان صنعت من طين أو عجين، فهي لا تسمع السؤال أن: “أليس الأجدى حماية التراث في أرضه وفي مواقعه الطبيعية؟ ألم يكن على العالم الذي يدعي الخوف؛ أن يعمل على قطع اليد التي حطمت محتويات المتحف العراقي في بغداد بينما جيش “شرطيه” يقف خارجه مكتوف الأيدي متفرجاً على رعاع وحثالات الأرض؛ يمارسون تطبيق إستراتيجية التحطيم والتدمير على عشرات الآلاف من القطع الأثرية التي تمثل حقباً تاريخية عديدة، وهل من جريمة تفوق ما حدث في 2014 لمدينة تدمر؛ من ممارسات هي عار على الإنسانية من قتل وذبح وتدمير لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، ترافقها عمليات نهب وسرقة وتهريب من قبل مافيات لا يمكن أن يخفى توجهها، إذ الأعمال تشي بالنوايا والأهداف لإستراتيجية واضحة للإلغاء والتطهير الثقافي، يتيح فرض أنظمة جديدة تاريخها يكتب حسب الخرائط المرسومة لها، من قبل الحالمين بإعادتنا إلى الخلف أو إعادة تاريخ مرحلة الانتداب بثوب جديد، لا يخفى الأمر بل “يكاد المريب يقول خذوني”.

بشرى الحكيم