ثقافة

“سيمون دي بوفوار”.. الأنثى تساهم في كونها ضحية الظلم الاجتماعي

 

من أين تبدأ مشكلة الكيل بمكيالين في نظرة وتعامل المجتمع مع المرأة؟ في الطفولة لايوجد تمييز بين الجنسين، ولكن في مراحل المراهقة وتكوين الشخصية يبدأ الكيل بمكيالين.. لن أدرج في هذا المقال كلاماً قد يعرفه الجميع، بل سأذهب في الاتجاه الآخر لمشكلة ضعف تطبيق مقتضيات العدالة الاجتماعية إزاء المرأة، ولعلنا نجد إذا دققنا ملياً، أن المرأة ساهمت إلى حدٍ ما في مآلات الأمور.. لنبدأ منذ سن المراهقة حيث يبدأ الجميع في تكوين تصوراتهم عن المجتمع، والعلاقات الاجتماعية والمفاهيم والقيم ولنتحدث عن مفهوم (الأنثى) في المجتمع، والذي تسعى المراهقات إلى التطابق معهُ، وهنا أتفق مع الفيلسوفة الوجودية الفرنسية سيمون دي بوفوار فيما ذهبت إليه في كتابها (الجنس الآخر) وهو كتاب نتج عن تحقيق وأبحاث في التعريفات الشعبية للأنوثة.. تقول دي بوفوار:

“نحن لم نولد نساء بل أصبحنا نساء” وتقصد هنا (النساء) كمفهوم بمعنى إنسان يناط به وظائف اجتماعية تشكل محددات لشخصيته وطرائق تفكيره وخياراته وسلوكه، فالأنوثة كـ (مفهوم وممارسات) ليست متأصلة، لكنها تركيبة تم اكتسابها عبر التنشئة الاجتماعية للحفاظ على هيمنة الرجال. وترى دي بوفوار أنه عبر التاريخ تم معاملة المرأة بشكل أدنى من الرجل لثلاثة أسباب:

– أن تلبي حاجات الرجل وبالتالي لاوجود لها إلا في سياق مع الرجل.

– الالتزام بالتعليمات الشكلية لقبولهنَّ واثبات قيمتهنَّ.

– كان لدى النساء تاريخياً حقوق أقل وبالتالي لم يكن لديهنَّ تأثير على الرأي العام.

تستخدم دي بوفوار تشبيهاً لتوضح إشكاليات (مفهوم الأنوثة) حيث تقول بأن المرأة تعامل مثل (دمية حيّة)، وتعتبر الدمية أداة قوية لتطوير الشخصية، بحيث تتعلم الفتاة عبرها كيف تلبس وتتزين وتعتني بشكلها وهي لازالت قاصرة عن اتخاذ القرار. بملء إرادتها تتعلم الفتاة تشييئ نفسها كما يفعل الرجال بها. إن الدمية مطيعة ويتمثل دورها في أن تكون أنيقة وأن تسمع أسرار مالكها، ينبغي أن تواسيه عندما يكون وحيداً، وتبقى في المنزل عندما يذهب إلى الدراسة أو العمل. ومن وجهة نظر دي بوفوار أنه عندما تكبر الفتاة تجد نفسها في ذات أوضاع دميتها.. عندما تصبح امرأة سيكون دورها أن تجذب زوجاً بجمالها (كدمية جذابة في واجهة محل تنتظر من يتلهف لنقلها إلى بيتهِ) ويجب عليها أن تحافظ على جمالها كي لا يذهب الرجل إلى أخرى أو يبتعد عنها، وعليها أن تستمع إلى مشاكلهِ وهمومهِ بهدوء وتنتظرهُ في المنزل بينما يمارس جوانب الحياة كالعمل. إنها (إكسسوار) سواء أكانت من البلاستيك أم من لحمٍ ودم. ونوهت الباحثة دي بوفوار إلى أن الأنثى حتى لو لم تكن متزوجة فستبقى متعلقة ومقيدة نفسها إلى معايير الرجال للأنوثة، من خلال ضغوطات خارجية مثل موجات الموضة وعالم التجميل والتي تساعد جميعها على (سرمدة) تشييئ المرأة، والمرأة لكي تتحرر عليها أن تدرك أن معظم المعايير الاجتماعية مركبة، وعندها فقط سيكون لديها الحرية في الإفلات من سياق ظروفها وتحديد مصيرها بنفسها.

سامر منصور