ثقافة

لهيب النار.. ورماد المواقد

 

ليس كل مَن كان صوته مرتفعاً كان بمسموع, ولا كل مَن اشترى الأجساد امتلك أرواحها, ولا كل مَن سجن الطيور اغتال أحلامها في الطيران.

وليست كل قسوة دليل قوة        ولا كل صمت دليل موافقة

فأن يرتقي الإنسان بمستوى حديثه شيء، وأن يرتقي بمستوى صوته شيء آخر (فالذي يُنبت الورود, لا صوت الرعد والبرق, بل المطر وتساقط الثلوج).

إن الوقوع في الوحول لا يلوّث كرامة الإنسان, بل يلطّخ جسده وثيابه, وهذا يزول بالماء والصابون, أمّا إذا تلوّثت كرامة المرء وشرفه فلا ثلوج السماء ولا ينابيع الأرض قادرة على إزالة أو تنظيف ما لحق به من أوساخ.

وإنّ أدران الجسد تزول, وهيهات أن تزول أدران الشرف والكرامة.

قد يحيا العباقرة وكبار العظماء والفلاسفة في مجتمعات ضعيفة, وبين أناس قلوبهم كالصخور, ونفوسهم كالقبور, ومع ذلك لا يتأثّرون بروائح وسمعة مَن حولهم, فالمعادن الثّمينة لا بدّ أن تبرق وإن كانت بين الغبار والوحول!.

ولا حبّ أعظم وأرقى من حُبّ المعرفة, ولا جمال أجمل من موت الحقد والكراهية, ولا مال أغلى من الشّرف, ولا عزّ أعلى من عزّة النّفس, ولا كرامة أثمن من كرامة البشر, ولا خير أفضل من القناعة, (ولا شيء يمكن أن يستر الإنسان, إذا لم يستره أدبه وعمله الصالح).

قد نجد في الحياة رجالاً مهمتهم استخراج الكنوز والذهب من بواطن الأرض والجبال، وبالمقابل قد نجد رجالاً مهمّتهم في الحياة الكشف عن سرّها وخلودها.

وفرق كبير بين مَن يبحث عن الذهب، وبين مَن يبحث عن الخلود.

وما أكثر مَن يحب ويتمنّى ويحلم ويرغب، وما أقلّ مَن يعمل ويزرع.

إنّ الناس نفوسها أراضٍ، بعضها ذات قمم عالية, وبعضها منحدرات وعرة, ومستنقعات آسنةً.

وهل يستوي لهيب النار فوق القمم برماد المواقد في الوديان العميقة؟!. وهل نور الشمس كضوء القمر, ورفرفة الخفافيش كتحليق الصّقور!؟.

وهل يُقاس نبل الذئاب وحياتها بحياة الأرانب وضفادع البحيرات!؟

إن عبّاد المظاهر والقشور كُثر في كل زمن، وعُبّاد الفكر والأدب قلّة قليلة في كل زمن أيضاً.

(وإن الأدب للإنسان, كالسّماد للزّرع, فهو يمدّه ولا ريب, بلذّة فنّية, ويخلق فيه حالة من إرضاء للذّوق, وإرهاف للإحساس بالجمال).

يُحكى أن أحد اللئام أراد إحراج برنارد شو, المفكر والفيلسوف الشهير,

فقال له:

أنت يا سيّد شو, تكتب طمعاً بالمال, وبحثاً عنه, بينما نكتب نحن طمعاً بنيل الشّرف والكرامة! فردّ برنارد شو قائلاً:

معك حق ياسيدي, فكل منّا يبحث عمّا ينقصه!.

سهيل الشعار

SOUHEIL-ALCHAAR@HOTMAIL.COM