ثقافة

أسطورة الصمود والبطولة في سجن حلب المركزي

تسود لغة الصمت إزاء أسطورة الصمود والبطولة التي جسدها نجدة أنزور في فيلمه “ردّ القضاء”-سيناريو ديانا كمال الدين، إنتاج المؤسسة العامة للسينما ومجموعة قاطرجي بإشراف وزارة الثقافة- حينما تقدمت دبابات الجيش العربي السوري رافعة العلم السوري وتنشد أسطورة البقاء والانتصار في مواجهة الإرهاب، بعد فكّ الحصار المطبق في أيار 2014 الذي دام ثلاثة عشر شهراً من قبل الجماعات الإرهابية واستمرار الاشتباكات المستمرة.
مشاهد الفيلم المؤثرة التي توحي بالخوف والعنف والحزن في آن واحد تحمل رسالة أنزور السينمائية إلى العالم بأسره، والتي تؤكد على صمود سورية رغم كل الأوضاع الصعبة التي تواجهها، فسجن حلب ينسحب على مدى جغرافية سورية. تتكامل رسالته بتعدد اللهجات السورية المتداولة بين السجناء والقيادة، تعبيراً عن تنوع النسيج الاجتماعي السوري، ليختزل مشهد هطول الأمطار الغزيرة وانسدال خطوطها الطويلة فوق جثث الشهداء أثناء حفر قبورهم في فناء السجن الذي تحوّل إلى مقبرة مع رقص الملازم “أبو جعفر” المذبوح من الألم يوحي بانتصار سورية القادم من سواد الموت بانبعاث العشب الأخضر من الأرض التي سُقيت بدماء شهداء سورية.

حاتم عرب

اكتملت دائرة الحزن وألم الدموع المحرقة من قبل الحضور الكبير حينما اعتلى خشبة مسرح الأوبرا الشهيد الحي (حاتم عرب) –الذي ظهر في المشهد الأخير مع الممثل مجد فضة الذي أدى دوره ببراعة وعبّر درامياً عن أوجه الشخصية الإنسانية والبطولية- حاتم عرب أحد عناصر قوى الأمن الداخلي الذي كان مع المحاصرين وقاتل بكل قوة رغم إصاباته المتكررة، إلى أن مزقت شظايا الإرهاب جسده وشلته عن الحركة ليمضي حياته على كرسي متحرك، ويفقد شبابه وعائلته بعدما أعدمت داعش أفراد أسرته.
والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا ستقول الدول المتآمرة على سورية، وماذا سيقول العالم إزاء رسالة أنزور التي عرّت الحقيقة كاملة، ووثّقت الحادثة التي شغلت الرأي العالمي وأخذت حيزاً من تفاصيل الحرب الكونية على سورية؟ هل توجد إجابة؟ بعد الإشارة الخفية إلى الدول الداعمة للإرهاب التي لاتتوانى عن قتل أعوانها وتصفيتهم،كما رأينا في مشهد القذيفة التي طالت زنزانة الخلية الإرهابية التي كانت تسرب كل ما يدور. والتي تؤكد بأن مصير القاتل القتل.
الإيحاءات البصرية

قاربت كاميرا أنزور الأحداث الحقيقية التي حدثت بواقعية أثناء الحصار فمضت الكاميرا بثلاثة مسارات متوازية بين الحياة داخل الزنزانات وسراديب السجن وأنفاقه، وبين مواقع القتال وردّ الاشتباكات من أطراف السجن وأسواره إلى القذائف المحرقة التي طالت غرف مشفى السجن وزنزانات السجناء وغرف القيادة، وبين تمركز قيادة داعش وتنفيذهم العمليات وكيفية تواصلهم. وقد ركز أنزور على الصورة البصرية وتحركات الشخوص، لتبوح بالأحداث مع مساحة للمؤثرات الصوتية والموسيقية المركبة، لاسيما في مشاهد العنف والقهر من الموت والصبر على الجوع والمرض والبرد.

بطولة الطبيب

على محور درامي آخر قاربت كاميرا أنزور ماحدث فعلاً داخل السجن أثناء الحصار حينما احتمل السجناء والعناصر والقيادة البرد والجوع وتفشى المرض، لكن براعة أنزور تجلت في إيضاح العمل البطولي الذي قام به طبيب السجن – الممثل عامر علي- في إنقاذ الجرحى وإجراء عمليات جراحية صعبة ومعقدة في ظل انعدام وجود الأدوية والمواد الطبية، وابتكار الطبيب أساليب تساعده على إنقاذ الجرحى، لتتكامل الصورة بفجائعية بمشهد إحراق الزنزانة وتفحم بعض الجثث.

الدفاع عن سوريتهم
السجناء كانوا جزءاً من رسالة أنزور بعدما أخطؤوا بحق الدولة والناس بارتكابهم جرائم الاتجار بالمخدرات والسرقة والانحلال الأخلاقي، لكنهم عبّروا عن وطنيتهم ودافعوا عن سوريتهم بطلبهم حمل السلاح والدفاع عن السجن مع عناصر الأمن، “طالعوني خلوني قاتل معكم ما عاد فيني اقعد هون وآكل خبز مغمس بدم الشرطة والجيش”. ومن هذه المبادرة الوطنية يحلل أنزور بعض جرائم الشرف التي مازالت المرأة تدفع ثمنها رغم أنها مظلومة مثل حكاية السجينة صابرين التي قتلت زوجها لأنه يريدها أن تبيع نفسها، ومع ذلك أمضت خمسة عشر عاماً في السجن عقوبة لها، إضافة إلى حكاية كثيرات.

حبّ ينتهي بالموت
ورغم كل مظاهر القسوة والعنف والحزن لم يخلُ الفيلم من طابع السخرية والفكاهة بين السجناء، كما في المشهد الذي جمع بين ضيوف الشرف (فايز قزق وجمال العلي)، حينما أخرجوا النساء من الزنزانة لتعرضها للقصف وانتقالهن إلى زنزانة أخرى. كما حفل بخطوط الحبّ الخفية بين حاتم وخطيبته سمر التي تتعرض للقنص فتسقط ميتة وهي تزف إلى عريس آخر لحظة إصابة حاتم، وبين الملازم “أبو جعفر” والسجينة صابرين التي حاكت له القفازات الصوفية لتخفف عنه البرد.

المشنقة والوعد
انتهى فيلم ردّ القضاء بمشهد نجاة حاتم عرب من الموت في السجن كما وعد أمه.. لنراه ممداً على السرير في المشفى بعد فكّ الحصار إثر إصابته بالشلل لتتراءى له صورة أمه تخاطبه “سامحني، خسرت المعركة ما اقدرت رد القضا بالدعاء” لحظة إعدامها من قبل رجال داعش حيث أعدموا أفراد عائلته حين هجومهم على قرية الزارة في حمص.
ملده شويكاني