ثقافة

مرتكزات المواجهة الثقافية في اليوم الثاني لندوة “الثقافة في مواجهة الإرهاب”

واصلت الندوة الوطنية “الثقافة في مواجهة الإرهاب” فعالياتها أمس وتركزت موضوعاتها حول محور “مرتكزات المواجهة الثقافية للإرهاب” حيث ترأس الجلسة الأولى وأدار الحوار د. عبد اللطيف عمران، ثم بدأت السيدة فيرا يمّين مداخلتها بالحديث عن “دور وسائل الإعلام في صناعة الرأي العام ومواجهة الإرهاب”. عبر قراءة واقعية لواقع إعلامي مأزوم من ناحية المؤسسات والأدوات الإعلامية، وتساءلت: هل نملك إعلاماً عربياً؟ وهل هناك عرب لنسأل عن إعلامهم؟ وتابعت قائلة:
هناك طاقات إعلامية، لكننا نفتقر ونفتقد إلى الوسائل، ولو ملكنا هذه الأدوات لاستطعنا خلق ميدان إعلامي أفضل من الرصاص، لأن المواجهة المقبلة في التحدي، لذلك يجب أن نحصن الإعلام من خلال عدة خطوات: ترشيده وتنقيته من مصطلحات دخيلة، وتفادي الوقوع في فخ استخدامها، لأن احترافنا لهذه المصطلحات تترجم على أنها هويتنا. والعمل على استخدام قمر صناعي نستطيع من خلاله الوصول إلى شعوب العالم من غير قرصنة أو حجب أو منع، بالإضافة إلى شرط أساسي لنجاح أي إعلام مواجه وهو خرق العقل الآخر، وقد نجحنا جزئياً بمواجهة الإرهاب إعلامياً عبر نهضة إعلامية سورية بمساندة إعلام صديق -مع أن عدده قليل قياساً بعدد الوسائل المضللة أو المحرّضة-.

المواجهة
والسؤال الأهم الذي طرحته المستشارة الإعلامية لتيار المردة في لبنان كيف نواجه الإرهاب إعلامياً؟. ورأت الإجابة عليه تتمحور في: ضرورة وضع خارطة طريق تنقلنا من رد الفعل إلى الفعل، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت  الوسيط الأساسي الذي استخدمته الجماعات الإرهابية للترويج لعقائدها المتطرفة، وتأويلاتها للنصوص الدينية بهدف تجنيد شباب، والدليل التحاق الشباب بقناة “أورينت”، وعلينا تطويق هذه الظاهرة من خلال إعلام تعريفي وخطب دينية تنويرية تنقذ الأديان من التطرف وتعيدها إلى الصراط المستقيم.
ومن أهم العناصر المؤثرة في الإعلام كما ترى “يمين” هو “الإعلام الحربي” الذي اتسم بالموضوعية والدقة حتى بات مصدر ثقة لدى الجميع بمن فيهم الخصوم والأعداء، فهو لم يروج لمادة غير دقيقة ويضيء على إنجازات وبطولات تغري بدورها الشباب. وأكدت على البث بلغات مختلفة حتى لو اقتصر ذلك بنصوص مختصرة بالإضافة إلى إطلاق ورش عمل فعلية.

دولة وطنية وديمقراطية
من جهته تحدث د.عبد الله الشاهر عن “مهام الدولة الوطنية التعددية والديمقراطية وسيادة القانون”. فمن وجهة نظره  يجب علينا الاعتراف بأن الدولة الوطنية الديمقراطية هي منجز غربي، إما نأخذه بجميع منظوماته أو نعود إلى التخلف، لأن ثقافتنا التقليدية لا تقدم لنا أي عون في قضية الدولة الوطنية أو الديمقراطية، وبالمقابل إن الدولة الوطنية تنتمي إلى نسق متكامل من المبادئ والمفاهيم تقوم بينها علاقات ضرورية، كالمواطنة بثلاثة أركانها (المساواة والحرية والمشاركة) وسيادة القانون وسيادة الشعب والشرعية الدستورية وفصل السلطات واستقلال القضاء.

الدولة الحديثة
وأشار د. الشاهر إلى حاجة الدولة الوطنية الحديثة لصحوة الأغلبية لاسيما الشرائح المثقفة عبر تغيير طريقة تفكيرها وطبيعة تعاطيها مع واقع الحياة التي تزداد تعقيداً وصعوبة، وذلك بالإقلاع عن ثقافة الانتظار، وأخذ المبادرة عبر تصور جديد يقف في وجه التحديات الماثلة، من أجل بناء الدولة الوطنية الحديثة، والنهوض بالمجتمع ليتجاوز ثقافة الانتماءات لمواجهة التحديات والأزمات ويخلق مستقبلاً أفضل معافى من الظلم والأحقاد والحروب وخالي من الدماء والدموع.

اختلاف الأداء الثقافي
بدوره تحدث د.نضال الصالح في المحور ذاته عن “العلاقة بين المواجهة الثقافية والمواجهة المسلحة” وقد بدأها بطرح هام جداً عن حال المشهد الثقافي السوري خلال السنوات الماضية؟. فقد عرّت السنوات أداءنا الثقافي لأنه كان ينظر لها بأنها ترفاً وليس حاجة، وعندما نتحدث عن الثقافة في سورية نستطيع أن نتحدث عن ثقافة التسعينيات من ندوات ومؤسسات وفعاليات وإصدارات، ولكن كل ما بعد ذلك مضى في اتجاه آخر “اتجاه ارتدادي” والذين تعاقبوا على وزارة الثقافة والمؤسسات لم يحدثوا فعلاً تراكمياً في الفعل الثقافي، لذلك استطاع الفعل المضاد أن يخترق بسهامه الجسد السوري، وتخلت الثقافة عن دورها واتخذ المسجد دوراً وصائياً على الوعي في المجتمع السوري بدلاً من الدور الثقافي.   وأضاف د. الصالح: لقد تبعثر المثقف السوري، وظهر خلال سنوات الأزمة المثقف المرتزق بالربيع العربي، الذي استطاع المال الخليجي أن يحرف مساره التنويري، والمثقف الناقم الذي كان له ظلامة مع إحدى الجهات السياسية فوجدها فرصة للثأر، وهو بمثابة المثقف العاجز عن مواجهة ظالميه بالكلمة والتعبير، وهناك المثقف الصامت الحيادي المنتظر نهاية ما يسمى “الثورة” السورية، ليصفق للمنتصر، وقد أضاف الصالح تعبيراً مجازياً وهو “المثقف الداعشي الداخلي” ليس المنتسب إلى داعش، ولكنه مصطلح للخلايا النائمة في الحياة الثقافية.

تغيير الوعي
وبرأي الصالح لا بد من وجود عوامل رافعة للفعل الثقافي، فبدونها لا نستطيع إنتاج وعي بديل، فهل يمكن للثقافة العربية أن تحدث تغييراً بالوعي؟
ويتابع: لا يمكن لوزارة الثقافة وحدها أن تنجز فعلاً ثقافياً، ونحن نحمّل وزارة الثقافة عبئاً كبيراً عندما نتوهم أنها مسؤولة بامتياز عن صناعة الفعل الثقافي، فهو ليس فعلاً مؤسساتياً فردياً، وإنما فعل مجتمعي، ولا بد للمؤسسات الأخرى أن تكون شريكة حقيقية في صناعة هذا الفعل، كوزارة التربية والتعليم العالي والإعلام ووزارة الأوقاف، والأخيرة يمكن أن تكون شريكاً حقيقياً في صناعة الفعل الثقافي.
في الحقيقة، على الثقافة أن تنهض بدورها، لذلك لا بد من مشاركة المثقف الحقيقي في صناعة القرار الثقافي، وإسناد المهمات والمسؤوليات لهم، والتي يمكنهم من خلالها أن ينجزوا فعلاً ثقافياً، بالإضافة إلى تحرير وتطهير المؤسسات الثقافية من الطحالب الذين استطاعوا أن ينفذوا إلى مواقع صناعة القرار الثقافي.

المواطنة والوعي الاجتماعي
وتناولت الجلسة الثانية للندوة أربعة موضوعات بدأها د.عبد اللطيف عمران بالحديث حول “تعزيز مفهوم المواطنة وترسيخه في الوعي الاجتماعي” وأشار في مستهلها إلى أن تخير هذا الموضوع الهام جداً والمناسب يأتي في سياق التحديات المصيرية والمعترك التاريخي الذي يواجه شعبنا وأمتنا، جراء تركيزه على بعدين معرفيين طالما استُهدفا من القوى المضادة للمشروع الوطني العروبي التقدمي، وهما مفهوم المواطنة والوعي الاجتماعي، فالنجاح في تعزيز وتكريس حضور كل منهما كفيل في مواجهة مشروع القوى المضادة للتحالف الصهيو-أطلسي الرجعي العربي، مضيفاً أن مفردات كالوطن والمواطنة والمواطن هي مفاهيم لها حقل دلالي كبير يختلط فيه السياسي والأخلاقي والاجتماعي، وقد ابتعدت عنها مؤخراً وسائل التضليل الإعلامي وقفزت فوقها، لأنها وسائل تسوّق للفكر الجهادي بعيداً عن الوطن، لافتاً إلى تراجع هذه المفاهيم بسبب ما أصاب الأمة العربية من استهداف تاريخي تختلط فيه نظرية المؤامرة مع قصور العامل الذاتي الذي يطيب لنا أن نقفز فوقه.

وطن ومواطنة
كما عرّف عمران الوطن بأنه المكان الذي تتشكل فيه الهوية الوطنية للفرد والمجتمع وتتطور الهوية بالوعي والانتماء، أما المواطنة فهي ترتبط بتفضيل الوطن على جميع الانتماءات الحزبية والدينية والعرقية، ونحن في سورية نعمنا بانعكاس هذا التعريف على مجتمعنا السوري وأسهمنا في انعكاسه على العالم العربي ومؤسسات العمل العربي المشترك، فالمواطنة هي صيغة لتحقيق المصالح المتبادلة بين الوطن والمواطن ووسيلة تناغم واندماج تؤدي إلى إحلال السلام والعيش المشترك، منوهاً إلى أن ميديا البترودولار ركزت على نسف مفهوم المواطنة، وللأسف لا نستطيع أن نقول أنها أخطأت الهدف، مؤكداً أن المواطنة ترتب على المواطن الالتزام بالقانون العام وسيادته مع تحريم وتجريم الارتباط بالخارج على حساب هذه المسؤولية، وبمنطق العلم والقانون فإن أغلب الشخصيات التي تدعي أنها معارضة هي مجرّمة.
تكامل العمل
ولا ينحصر الولاء للوطن بالمقيمين فيه –كما يذكر عمران- حتى عند اكتسابهم جنسية أجنبية، فالمواطنة لا تسقط عن المسافر أو اللاجئ أو المعارض، وينبغي أن يحاسب على أساسها، معتبراً أنه تم إرساء بعد معرفي قائم على الوطنية ومع وجود مساعي لتعزيز المواطنة كنا نرى مساعي مضادة، لكن دون التصدي لها، لذا لابد من الحديث عن نشاط المؤسسات المضادة الذي كان نشاطاً تسلسلياً وصل إلى ما وصل إليه ودفعت قطاعات واسعة بالمجتمعات العربية ثمناً باهظاً له وكانت ضحيته أجيال في سورية وغيرها من البلدان العربية، ورأى عمران  أن أفضل حل لتعزيز مفهوم المواطنة هو تكامل عمل المؤسسات الوطنية التقدمية، وعدم تنصل المثقف الفرد والمؤسسة الثقافية من هذا الدور.

شعور الانتماء
وتحت عنوان “تنمية شعور الانتماء للوطن” بدأ د.عاطف البطرس مداخلته بالتركيز على أن الانتماء للوطن لا يكتمل إلا بالانتماء للدولة الوطنية، لافتاً إلى أن الانتماء إحساس غريزي فطري انتقل به الإنسان إلى الوعي وتطوير المكان وتحديده، مشيراً إلى أن الوطن لا يعني فقط الأرض والهواء والماء، بل هو أرض الأجداد والتاريخ بكل ما فيه، وهو اللغة التي نتكلمها والثقافة التي تصوغ وجداننا وتحدد نمط حياتنا وطريقة تفكيرنا وهو الهوية، مما يطرح السؤال الأكثر إلحاحاً ما هي الهوية التي نريدها لبلدنا العريق وهل يمكن أن نرتضي بهوية تاريخية محددة تجعلنا نقع في خطأ تعميم الجزء على الكل فالهوية يجب أن تكون جامعة قابلة للتجديد.

علاقة تبادلية
ويتابع البطرس: لا تستكمل العلاقة مع الوطن إلا بالحديث عن المواطن والمواطنة في علاقة تبادلية ضمن هذا الإطار الذي لا حياة ولازدهار له إلا بوحدة النسيج الاجتماعي ضمن مجتمع متنوع متعدد فيه عيش مشترك دون إلغاء التناقضات، مؤكداً أن الثقافة مركبة وقابلة للأثر والتأثير ولا حياة لثقافة لا تستقبل الوافد ولا تعطي لغيرها، كما أن مفهوم الدولة الوطنية منجز تاريخي إنساني حق للغرب أن يفخر به ويحق لنا أن  نستفيد منه، آملاً أن تتضافر جهودنا في سورية ضمن فعل مؤسساتي لنمضي إلى الأمام فلن يخرجنا من الأزمة إلا دولة مدنية علمانية ديمقراطية.

ثقافة الحوار وحدود الاختلاف
بدوره تحدث د.حسين جمعة في مداخلته “تعزيز ثقافة الحوار وقبول الاختلاف مبدأ في الحياة ” عن أن الأزمة التي تمر بها سورية معقدة مركبة والاختلاف سنة كونية وظاهرة طبيعية، وهو وجه من وجوه الديمقراطية في الحياة، ولكي لا ينقلب ذاك الاختلاف وكل ما فيه من تنوع وغنى  إلى انغلاق وتعصب وصراع، علينا اللجوء إلى الحوار الوطني المستمر حول أي اختلاف يقع  بين أبناء الوطن، وجعله أداة من أدوات التفاهم والتعاون ثم التغيير والنهوض، مشدداً على ضرورة أن نبني منهج ثقافة الحوار بأسلوب حداثي حضاري ينطلق من قبول الآخر واحترامه للوصول إلى قواسم مشتركة، لافتاً إلى ضرورة رسم حدود الاختلاف في صميم سيادة القانون ومبدأ الحقوق والواجبات، التي تقوم عليها المواطنة المحققة للمساواة والعدالة، فالمواطنون شركاء في حب الوطن وليس هناك تفاوت في انتمائهم، ولابد من الانخراط في الحوار الوطني للحفاظ على الوطن.

نحو خطة ثقافية
وختمت الجلسة بمداخلة الكاتب الأرقم الزعبي “نحو خطة ثقافية لمواجهة الفكر الإرهابي” الذي رأى ضرورة نقل الأفكار النظرية من فعل بالمطلق إلى فعل بالواقع، عن طريق التفكير والتحريض للشروع في إعداد خطة ثقافية لمواجهة الإرهاب، والتأكيد أن التخطيط الثقافي هو إستراتيجية على مستوى دولة وأمن ثقافي كلي، ووضع مجموعة أهداف للخطة تندرج ضمن أهدافها الرئيسية تغيير اتجاهات فكرية والتركيز على المشترك الثقافي والتناغم بين مكونات العمل الثقافي وخلق ثقافة  تحافظ على الذات الثقافية ومنفتحة على ثقافة الآخر، أما الأهداف الفرعية فهي التعامل مع الراهن وتحدياته والاستثمار الأمثل للإمكانيات المتاحة ومرونة التعديل والتراجع.
أما فيما يخص التحليل للواقع الثقافي فقد لجأ الزعبي إلى طريقة سوات، بالاعتماد على مجموعة نقاط قوة ونقاط ضعف والفرص والتهديدات، وكذلك بالاعتماد على مجموعة استراتيجيات،واصفاً خطته بأنها فكرة ثقافية عن التخطيط الثقافي، كما تلا الجلسة مجموعة مداخلات من بعض الحضور.
جُمان بركات- لوردا فوزي