ثقافة

مـوالاة – مـعـارضـة!

غسّان كامل ونّوس

على الرغم من مرور سنين ستّ إلّا قليلاً من الأزمة، هناك مسمّيات درجت، وهيمنت، في الإعلام والسياسة، في الحديث والتداول اليوميّ، أكثر منها في التجلّي الواقعيّ، والتمييز الجوهريّ؛ حيث ما تزال عرضة للتجاذب والتداخل والتعارض في الاستخدام، ما يبعدها أن تكون معبّرة عن مكوّن محدّد، أو مضمون مميّز؛ ومن أهمّها: الموالاة والمعارضة!
هل الموالاة والمعارضة مواقف أو أشخاص؟! أو أجهزة وجبهات، أو توصيفات ونوايا، أو أهداف.. هل هي تعبير عن حبّ أو كره لشخص أو أشخاص، أو بلد؟!
هل هي شعارات ترفع، ووظائف ومهمّات مأجورة؟! أم هي اقتناع وتطوّع وتضحيات؟!
هل هي هواية أو مزاج أو موضة؟! انتماء أو انتقاء أو اختيار، دائمة أو دوريّة، موسميّة، ظرفيّة، وشرطيّة غير جازمة أو لازمة، أو كافّة ومكفوفة؟!
هل يحتاج الأمر إلى تعريف قانونيّ، أو قرار داخليّ أو خارجيّ، أو اعتراف، أو إعلان مسؤوليّة؟!
أم يُعرف المرء من مواقفه وآرائه وأفكاره ومؤسّساته، أنّه موالٍ حتّى النخاع (أو العماء!)، أو معارض حتّى العظم (أو كسر العظم!). هل هي تهمة حقّاً، أو إدانة تحتاج إلى الدفاع عن النفس؟! أم هي نسبة أو وشاية أو نميمة، يمكن أن تتسبّب بعقوبات، تختلف حدّتها وفظاعتها بين مرحلة وأخرى، أو فصيل وآخر؟!
وهل الموالاة كتلة واحدة، أو شعب بكامله، أو جزء من شريحة أو شرائح، تعبّر بمسيرات، وهتافات، وضجيج صادق، أو مقصود، أو مفتعل؛ أو تكتفي بأضعف الإيمان؟!
أم هي مجموعات متعارضة ومتنافسة، ومتشارسة على المناصب والمسؤوليّات والمصالح والمهمّات والكراسي والامتيازات؟!
هل تبقى صامدة في وجه الضغوط الخارجيّة والداخليّة، الاقتصاديّة والإعلاميّة والسياسيّة؟! وهل تفرز مراكز قوى وأصحاب نفوذ، ليسوا من صلبها، ولا من جبلّتها الخلّاقة؛ فتكوّن مظاهر وممارسات وعناصر وعلاقات، تسيء أكثر ممّا تفيد، وتخيّب أكثر ممّا تشجّع؟!
وهل المعارضة جهة واحدة أم معارضات متنابذة ومتشدّقة، ومتناهبة على الأعطيات والجهات والمحاور والنفوذ؟!
وهل المعارضة صفّ واحد متماسك متشبّع واثق، أم مجموعات تربّي وتكشف، وتنمّي، وتحفر، وتسوّس، وتخرّب؟!
أليس فيها معارضات جادّة ومسؤولة؟!
أليس في كلّ منهما فريق، يمكن أن ينتمي إلى الآخر بالأهليّة والموقف والتخوين والتسمية والتمويه؟!
في بلاد العالم المتقدّمة سياسيّاً، لا تكاد تفرّق بين حكم الموالاة والمعارضة في تنافسهم لخدمة الوطن والمواطن، وحماية الاستقلال والاقتصاد. في بلاد العالم المتمدّن، تتنافس الموالاة والمعارضة على نظافة اليد واللسان والشفافيّة والحضور الاجتماعيّ والإنسانيّ.
لن نختلف على التسميات؛ لأنّها لا تعبّر صراحة عن الواقع، ولا عن الأهداف، ولا عن السلوك.
في البلاد المتقدّمة سياسيّاً، تُتبادل الأدوار بلا ضغينة أو بلا تكلّف؛ فموالو اليوم، معارضو الغد، إذا ما فاز خصومهم السيّاسيّون بالحكم؛ ومعارضة اليوم، موالاة الغد، حين ينجحون في اكتساب ثقة الناس. هل يقبل الموالون منّا بالمعارضين موالين معهم؟!.
وهل يرضى المعارضون فينا بالموالين معارضين معهم؟! وهل يتمّ هذا الانتقال بدافع ذاتيّ، واع، مقتنع، أو بأمر ورنين وطنين وتهديد ووعيد؟!
ليست المشكلة في التسميات، ولا فيمن يُسمَّى؛ بل المشكلة في من يسمّي؛ في القناعات، والخيارات والأهواء والنزوات والعصبيّات؛ هذه التي تفعل فعلها في التسمية والإشهار.
السؤال الأهمّ الذي يفترض أن يكون فيصلاً: أليست الموالاة والمعارضة مواقف مشهودة في مواجهات المصير، وتضحيات وريادة واستبسال في الدفاع عن الوطن ضدّ المعتدين الخارجيّين، والفاسدين المفسدين في الداخل، وفي سبيل إقامة العدل، وتأمين الحقوق والواجبات للمواطنين جميعاً بلا تفريق ولا تمييز.. وهذا ما يُفترض ألّا يختلف عليها موالٍ صادق، ومعارض حريص.