ثقافة

لجينة الأصيل: الرسم للأطفال يعني الإدهاش

لأنها قررت أن تتعلم وتطور نفسها بعد 25 سنة قضتها وهي ترسم للأطفال، حملت رسوماتها الصغيرة وتوجهت لأهم المعارض التي تقام في إيطاليا لرسوم الأطفال بعد أن رفض القائمون عليه مشاركة رسوماتها فيه، وهناك -كما تبيّن الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل- شاهدت ما يُقدَّم فيه من رسوم والتقت أهم الرسامين المسؤولين عنه واستمعت إليهم جيداً، وأدركت الأخطاء التي وقعت فيها ويقع فيها كل رسام يتوجه في منطقتنا للأطفال، وأهم ما تعلمته أن الطفل بحاجة للوحة كاملة شبيهه بلوحة الكبار، إلى جانب عدم الاستهتار به والتقليل من شأنه واحترامه بشكل كامل.

الطريق الصحيح
بدت الفنانة الأصيل التي التقيناها على هامش ورشة “كيف نرسم كتاباً للأطفال” التي أقامتها وزارة الثقافة–مديرية ثقافة الطفل سعيدة بما تم إنجازه في هذه الورشة التي أشرفت عليها، وهي ليست الورشة الأولى التي تتبناها الأصيل وتشرف عليها منذ أن عادت من إيطاليا، وقد قررت أن تدلَّ الرسامين الشباب على الطريق الصحيح الذي أحدث التحول الكبير الذي حصل  في رسوم  كتب الأطفال في العالم، بتحولها من مجرد رسوم توضيحية إلى رسوم إبداعية تشرف عليها مخيلة الفنان، وقد استجاب لهذه الورشة عدد كبير من الرسامين الشباب، بعضهم رافقها في ورشتها الأولى والثانية، واليوم في الورشة الثالثة على الرغم من أن قسماً كبيراً استقطبته وزارة الثقافة للرسم ضمن منشوراتها، إلى جانب عمل البعض في دور نشر عربية، وهذا إن دلَّ برأي الأصيل على شيء فإنما يدلّ على الإمكانيات الكبيرة والمواهب المهمة التي يتمتع بها فنانونا الشباب،  موضحة أن المشاركين في ورشتها الأخيرة التي انتهت مؤخراً اشتغلوا فيها على نصوص إبداعية قام بكتابتها أبناء وبنات الشهداء، ولا تخفي الأصيل أن الموضوع ليس سهلاً، ومع هذا تصدّوا له بكل جدارة، ونتجت عنه مجموعة من اللوحات التي سيتم عرضها قريباً ضمن معرض خاص بنتائج الورشة، إلى جانب طباعة اللوحات ضمن منشورات الوزارة تشجيعاً للمشاركين.

المحطة الأسهل
وبعيداً عن تفاصيل الورشة وفي الموضوع ذاته يحزن الأصيل أن بعضهم يستسهل الرسم للأطفال، وكثيرون يحاولون التجريب فيه بانتظار فرصة لتقديم لوحتهم للكبار، غير مدركين لصعوبته انطلاقاً من قناعتهم بأنه المحطة الأسهل للانطلاق، وهذا يعني برأي الأصيل أن من يريد التوجه للأطفال ويحقق النجاح فيه يجب أن يتمتع بخيال واسع، وأن يحب الأطفال وعالمهم، وأن يعمل لهم بشغف وإبداع، انطلاقاً من قناعته بأن عالمهم لا يقل قيمة عن عالم الكبار، وأن لوحتهم توازي وتساوي لوحة الكبار قيمةً وأهميةً، مؤكدة الأصيل أن التخصص في رسوم الأطفال وإن كان ليس شرطاً للإبداع فيه، إلا أنه يزيد من تركيز الرسام في عمله ويغني تجربته ويجعلها أكثر عمقاً.

الرسم الجيد يسوِّق لنص رديء
وعن أهمية العلاقة بين الرسام والكاتب في كتاب الطفل تبيّن الأصيل أنه موضوع شديد الأهمية، فكلما كانت العلاقة بينهما قائمة على الاحترام والرأي المتبادل والحوار والنقاش كانت الرسوم المرافقة للكتاب أكثر تميزاً، وهذا ما يفسر نجاح الرسام في تقديم ما هو مميز على هذا الصعيد في حال كان هو نفسه الكاتب، مشيرة الأصيل إلى وجود عدة أنواع من الكتاب: نوع لا يهتم من سيرسم وكيف، يسلِّم الكتاب وينسحب، ونوع يهتم كثيراً لدرجة التسلط وعدم قبول الرأي الآخر من الرسام، بحيث يكون الرسام مجرد أداة تنفيذية لما يريده الكاتب، ونوع ثالث يقدم اقتراحاته ويسمع اقتراحات الرسام، وبعد الحوار والنقاش بينهما يتم التوصل لصيغة ترضي الطرفين بما يتناسب مع الكتاب ومضمونه، وهي منهم، حيث تؤكد أن علاقتها مع الكتّاب جيدة وتقوم دوماً على الحوار والنقاش لتقديم الأفضل، والأهم برأي الأصيل بالنسبة لأي رسام أن لا يقبل كتاباً إلا إذا كان مقتنعاً به وبشكل كبير، لأن الرسم الجيد يسوِّق لنص رديء، لذلك تحذِّر الأصيل الرسامين من تبني نص غير مقتنعين به لأسباب مادية فقط، لأن رسوم كتاب الأطفال يجب أن يدعم ويرسخ فكرة الكتاب ومضمونه، وهي مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الرسامين الذين يجب أن يكون حبهم للكتاب وقناعتهم به المحرِّض الأساسي لتقديم رسومات بجودة كبيرة.

المدرسة التعبيرية
وتشير الأصيل إلى وجود عدة مستويات عمرية يجب أن يأخذها بعين الاعتبار كلُّ رسام يرغب بالتوجه للطفل: مستوى ما قبل المدرسة “الطفولة المبكرة” وهنا تقع على عاتق الرسام مهمة شرح النص كاملاً من خلال الرسم، وهذا يتطلب منه أن يكون ملوِّناً جيداً ولديه قدرة على التلخيص والتكثيف والتركيز، ليقدم للطفل حكاية بأحداث وشخصيات واضحة دون أخطاء، مع مراعاة أن الطفل وإن كان صغيراً قادر على التمييز واكتشاف بعض الأخطاء التي يرتكبها الرسام، أما في المستويات الأكبر فيتحمل الرسام مسؤولية التوجه الصحيح والدقيق والحذر الشديد من خلال اختيار المراحل التاريخية الصحيحة لكل حكاية، والدخول في تفاصيل النص وتقديم بيئات صحيحة لكل منها، وتؤمن لجينة الأصيل بأن من يحب الأطفال قادر على التوجه إليهم بطريقة صحيحة، خاصة عندما يستعين بالطفل الذي بداخله، منوهة إلى وجود عدة مدارس فنية متعددة موجودة في كثير من دول العالم حول رسومات الأطفال، ويمكن لأي فنان أن يختار إحداها للتوجه إليهم، لكن ومن خلال تجربتها الطويلة في هذا المجال تفضِّل الأصيل العمل من خلال المدرسة التعبيرية.

تقديم المدهش
وعن رأيها برسومات مناهجنا المدرسية تأسف الأصيل لقيام وزارة التربية بتغيير الرسومات التوضيحية الموجودة في المناهج المدرسية، التي قام برسمها الفنان القدير ممتاز البحرة، والذي ما زالت شخصياته التي أبدعها في هذه المناهج راسخة في أذهان العديد من الأجيال التي تربت ذائقتها الفنية عليها، وتتساءل: من لا يتذكر باسم ورباب وميسون؟ مؤكدة أنها لا تقول هذا الكلام تعصباً للبحرة، لكن لأن البديل عن رسوماته كان سيئاً.
وتوجهت الأصيل إلى رسّامي الأطفال مؤكدةً على ضرورة تقديم كل ما هو جديد ومدهش للطفل، بحيث لا تمر الرسومات من أمام عينيه مرورَ الكرام، وإن حدث ذلك فالرسام هو من يتحمل مسؤولية عدم قدرته على لفت الانتباه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن طفل اليوم يمتلك من الوعي والإدراك والمعرفة الشيء الكثير، وبالتالي يجب الارتقاء برسومات طفل العصر الحالي احتراماً لعقله ومعرفته، وشكرت الأصيل وزارة الثقافة والمؤسسات الرسمية المعنية بالطفل، والتي تشجع المبادرات الخاصة بالطفل، مؤكدة على ضرورة السعي إلى تقديم ما هو نوعي له.
أمينة عباس