ثقافة

باغبودريان يختتم 2016بالعمل الدرامي الغنائي “مدير المسرح”

أراد المايسترو ميساك باغبودريان أن يختتم برنامج الفرقة السيمفونية الوطنية السورية التي تألقت بأعمالها على مدى العام بأمسية لموزارت فبعد “كونشيرتو البيانو رقم 23” الذي أطلق عليه اسم تحفة فيينا، فاجأ الجمهور الكبير الذي حضر رغم البرد الشديد وانهمار الأمطار ليودع عام 2016 مع نخبة العازفين السوريين بالعمل الدرامي الغنائي “مدير المسرح”، بالتعاون مع المعهد العالي للموسيقا وبمشاركة طلاب من السنة الرابعة والخامسة مع أعضاء الفرقة بتقديم هذا العمل الضخم الذي استحوذ على إعجابهم، لاسيما أن الترجمة الكاملة عُرضت على الشاشة وتوازت مع العرض الغنائي والموسيقي، وفي منحى آخر يعزز هذا العمل التواصل بين الكفاءات الشابة وأعضاء الفرقة المحترفين وذلك ضمن خطة الفرقة.
وأثنى د. نبيل الأسود على الفرقة وكل القائمين على هذا العمل، وشكر عميد المعهد العالي للموسيقا أندريه معلولي الذي عزف مع أعضاء الفرقة –فيولا أول- ولمشاركته طلابه في هذا العمل الضخم الذي استغرق عرضه خمس وعشرين دقيقة، إلا أن التدريبات عليه استمرت ثلاثة أشهر، وتابع حديثه عن الصعوبات التي واجهتهم وتمّ تجاوزها بنجاح.

البيانو والكلارينيت
حضور البيانو للعازفة راما نصري كان طاغياً في كونشيرتو لآلة البيانو والأوركسترا –سلم لاماجور رقم 23- موزارت، الذي اتصفت أغلب أعماله بالجمع بين المرح والقوة وبتركيزه على آلات النفخ الخشبية والوتريات في الكونشيرتو، بدأت الفرقة بداية هادئة ليأخذ البيانو دوره كلحن أساسي في القسم الأول حركة حيوية بإيقاع لحني متصاعد مع آلات النفخ الخشبية والهورن ومجموعة الوتريات، ليشغل البيانو مساحة أكبر في انتقال الكونشيرتو إلى الحركة البطيئة بعزف منفرد لمستويين من الصوت والأبعاد لهذه الآلة الضخمة بين الحادة والرقيقة، ترافقت بشكل خاص مع آلات النفخ الخشبية ومع الكلارينيت في مواضع، ومن ثمّ في التواصل مع النسيج الموسيقي الوتري الذي أضفى سحراً على الكونشيرتو، لينتقل إلى الحركة الأخيرة الحيوية جداً التي اتسمت بالانتقالات الموسيقية السريعة وبالقفلة الحيوية للفرقة كاملة مع البيانو.

أهمية العمل الجماعي
في القسم الثاني من الأمسية تغيّرت الأجواء مع العمل الغنائي الدرامي مدير المسرح –موزارت- بانضمام بعض الآلات النحاسية والتيمباني الذي وظّفت ضرباته الخفيفة والحادة ضمن السياق الدرامي الموسيقي للعمل، وقد طغى الغناء على صوت الموسيقا واتخذ شكل المشهدية المسرحية من خلال الأداء التمثيلي المعبّر عن تقمص الشخصية والحدث وانعكاس دور السينوغرافيا من حيث الديكور والإضاءة والأزياء على المسرح، فبدأ بمحاورة ثنائية بين السيدة هرتز، والآنسة زيلبر كلارنغ وهما مغنيتا الأوبرا وتتنازعان على لقب المغنية الأولى، ومما ساعد على إنجاح العمل الترجمة الكاملة عن اللغة الألمانية لغة العمل، إذ تمكن الجمهور من التواصل مع المغنين الذين وظّفوا تقنيات الصوت ضمن خصائص الغناء الكلاسيكي، ومن فهم المضمون الإنساني والإيجابي للعمل الذي يدور حول الفنّ والموسيقا والمنافسة والغيرة للوصول إلى أهمية العمل الجماعي في الفنّ واحترام الآخر وعدم إلغائه.
بين التراجيديا والحيوية
ويعدّ هذا العمل انعكاساً للنزاعات الموجودة في عصر موزارت والتي تنسحب على كل العصور والأمكنة. بدأت السيدة هرتز-سيدة القلب الطالبة رشا أبو شكر-سوبرانو- بغناء آريا جدية تعبّر عن ألم الفراق وقسوة القدر” مهما كان قرار القدر فلا شيء يمكنه أن يفكّ رباطاً قوياً كهذا”، وغنت الآنسة كلارنغ –ذات الجرس الفضي الطالبة كارمن توكمه جي سوبرانو أغنية استعراضية مفعمة بحوارية رقيقة بين حبيبين شابين” لاشيء أغلى عندي من قلبك ومن يدك المليئة بأحر عواطف الحبّ سأعطيك قلبي كرهينة لديك”.

قرار الجمهور
تتصاعد الأحداث مع دخول مدير المسرح السيد غناء الطيور- الطالب عون معروف –تينور- لتتابع المحاورة بين الثلاثة وتفشل محاولاته  بإنهاء الخلاف بينهما في بداية الأمر، وفي نهاية العمل رباعي فودفيل ينضم المهرج السيد بوف –الطالب ميخائيل تادرس باريتون باص -وهي طبقة منخفضة من طبقات الصوت الغنائية للرجل- للمطالبة بدوره “أنا المهرج الأول، وهذا واضح من سحنتي لايستطيع أي مغن آخر أن ينافسني عليه” ليتمكن الجميع من الوصول إلى قناعة بضرورة  الالتزام والتضامن بين الجميع وترك حق الإعجاب للجمهور. التصفيق الحاد من قبل الجمهور يؤكد على تفاعل مختلف الشرائح مع الفنّ النخبوي في كل أمسية بشكل أكبر، وكانت هذه الأمسية نقطة النهاية والبداية الجديدة في العام القادم.
ملده شويكاني