ثقافة

تاريخ يهود دمشق الشام شـمـس الـدين الـعجـلاني يـوثـق

سورية عبر تاريخها الطويل والعريق، وبكل أطيافها، لا تفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي وتعتبر يهود سورية المهاجرين أبناءها في المغترب، طالما أن نياتهم سليمة تجاه وطنهم ويبادلونه المحبة والوفاء. هذا ما يورده الباحث شمس الدين العجلاني في كتابه “يهود دمشق الشام” في طبعته الثالثة، في إشارة إلى التسامح الذي تعيشه سورية رغم التعدد والتنوع الفكري والديني، وإلى روابط المحبة والتواشج التي تربط بين أبنائها بعيدًا عن أي حقد تجاه أي فرد من أفراد المجتمع، أو طائفة من طوائفه، بل يعيش الجميع أسرة واحدة تجمعهم أواصر الأخوة والتعايش المشترك.

السيرة التاريخية

يعرض الباحث للسياق التاريخي لليهود عبر الوثيقة والصورة حيث يسرد لقصص وحكايات يهود دمشق قبل الفتح الإسلامي، حيث كان اليهود يعيشون متفرقين ومضطهدين من قبل الحكم البيزنطي، وعاشوا أقلية مع الجاليات السكانية المختلفة في دمشق، وبقي اليهود حتى الفتح الإسلامي تحت سيطرة قوى حاكمة يعانون من قسوة معاملة القوى التي حكمت الشام، حتى جاء المسلمون فاتحين، فتنفس اليهود الصعداء وشعروا بالأمان على دينهم وأنفسهم وأموالهم في ظل الدولة الإسلامية، وتمتعوا بكامل حقوقهم، وهذا المتنفس الذي أوجده لهم الفتح الإسلامي دفعهم لتأييده كفرصة للتخلص من الحكم البيزنطي، وما إن تسلم المسلمون تقاليد الحكم في بلاد الشام وغيرها حتى عادت الروح للطوائف اليهودية التي سارعت بالهجرة إلى البلدان الإسلامية للحصول على حمايتها، وكان استقرار اليهود داخل المجتمع الإسلامي قد أدى إلى ازدهار الحياة اليهودية، وقد أسهموا في الحياة الثقافية الإسلامية، وتأثروا وقلدوا مدارس الفكر الإسلامي، واستمر حالهم هذا حتى في فترة المماليك حيث تمتعوا بحرية العقيدة والعمل وتولي المناصب في الدولة، وكذلك في عهد العثمانيين والفرنسيين وما بعد الاستقلال، وكانوا يعاملون معاملة خاصة، ولم يتعرضوا في سورية لأي اضطهاد، بل تمتعوا بحق المواطنة، ومن خلال هذا العرض يتطرق الباحث لطوائف وفرق دمشق وعقائدهم وأصولهم، وأعدادهم وتوزعهم في المدن السورية، حيث كانوا يفضلون السكن في المدن، حتى أنهم تجمعوا في أحياء محددة، وانعزلوا فيها عن المجتمع الذي فتح لهم أبواب الحياة بكل ألوانها.

حارات اليهود وحياتهم

كان اليهود لا يسكنون إلا في العواصم والمدن الكبرى، وفي أحياء خاصة بهم، لا يدخلها أحد غيرهم، كما ذكر المؤلف، لذا تركز وجودهم في دمشق وحلب والقامشلي، وعاشوا وحدهم منعزلين عن باقي الطوائف، وقد أقاموا بيوتهم وقصورهم في الحي اليهودي بدمشق القديمة داخل السور، ومن أشهر هذه البيوت قصر لزبونة وقصري فارحي الأول والثاني، وقصر شمعايا، مع أن هذه البيوت لم تختلف عن بيوت المسيحيين والمسلمين في دمشق القديمة، ووفق المعايير العمرانية للمناطق السكنية في دمشق القديمة داخل السور لابد من التمييز بين البيوت السكنية في حارة اليهود، وباقي البيوت في أنحاء دمشق القديمة، فالانتماء الديني لأصحاب البيوت الفخمة لا يظهر إلا قليلاً من خلال الزخارف المعمارية، ولكنه يظهر جلياً عبر مساقط البيوت التي يراعى فيها الاحتياجات الخاصة للقاطنين فيها.
وبما أن سورية تتمتع بالتسامح الديني على مر العصور، فقد تغلغل اليهود في المجتمع السوري وتكلموا لغته ومارسوا عاداته، وتسموا بأسماء أهل دمشق ولقبوا بألقابهم، مع محافظتهم على تقاليدهم وعقائدهم ولغتهم التي كانوا يستخدمونها بشكل خاص يوم السبت، وكانوا قد شغلوا مناصب مهمة في الدولة فكان منهم أصحاب البنوك والأطباء المرموقين والنواب في المجلس النيابي والبلدي، لكن الظروف السياسية وتقسيم فلسطين أثرت على العلاقة بين يهود سورية وأهل البلاد، ثم بدأت الهجرة اليهودية بعد حرب حزيران 1967، فتضاءل عدد اليهود إلى ستة آلاف يهودي دمشقي، وبسبب الضغوط الصهيونية هاجروا إلى بلدان مختلفة وانطلقوا منها إلى فلسطين لينضموا إلى دولة اليهود الدينية.
اليهود والبرلمان السوري

عاش اليهود في سورية كجزء من نسيجها الاجتماعي يمارسون حياتهم وعقيدتهم وطقوسهم دون أن يتعرض أحد لهم بسوء، وكانت لهم مشاركاتهم في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكان لهم مقاعد في البرلمان السوري، إذ تعتبر التجربة البرلمانية في بلاد الشام من أولى التجارب في المنطقة العربية، وتم انتخاب أول مجلس برلماني في بلاد الشام عام 1919 تحت اسم المؤتمر السوري، ويعد هذا المؤتمر أول صيغة برلمانية في المنطقة العربية، وأعضاء هذا المؤتمر كانوا يمثلون كافة مناطق بلاد الشام وتألف المؤتمر من 123 عضواً منهم 88 عضواً منتخباً وعين 35 مندوباً عن القبائل ورؤساء الأديان، وفي الجلسة الافتتاحية التي عقدها انتخب اليهودي يوسف لينادو نائباً عن دمشق فكان أول برلماني يهودي سوري في البرلمان، وفي عام 1943 حيث كانت نيابة الطائفة الموسوية للبرلمان السوري من دمشق إلى حلب أعلن عن فوز النائب اليهودي الحلبي عزره أزرق، وكان هذا النائب اليهودي عضواً في اللجنتين النيابيتين القضائية ولجنة القوانين المالية، وبعد جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية، وبدء زمن السيادة الوطنية، عادت الحياة النيابية لتلازم نضال الشعب في بناء المؤسسات الوطنية فجرت انتخابات عامة في سورية عام 1947 لتشكيل مجلس النواب، كان الأول بعد الاستقلال، وخلال هذا المجلس أعيدت النيابة للطائفة اليهودية بدمشق، حين أصدر الرئيس شكري القوتلي مرسوماً حدد بموجبه عدد نواب الدوائر الانتخابية والطوائف التي ينتمون إليها فكان نصيب دمشق مقعداً واحداً لليهود وفاز في هذا المقعد اليهودي وحيد مزراحي، وسمي نائباً عن دمشق وضواحيها وقد أثبتت تقارير اللجان النيابية التي كان النواب اليهود أعضاء فيها، وساهموا في نشاطاتها، وكانوا مواظبين على حضور كل اجتماعاتها.

يهود دمشق خارج سورية

بدأت هجرة اليهود السوريين في عام 1803 إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يوجد فيها جالية يهودية سورية ضخمة، ومن يلتقي أي واحد منهم يجد أنهم سوريون بأثاث بيوتهم وطعامهم ويعرّفون عن أنفسهم بأصولهم الشامية والحلبية، ويدردشون باللغة العربية، ويعتزون بجذورهم السورية، كما يتواجد اليهود الدمشقيون في ألمانيا وفلسطين.

أهمية التوثيق كشاهد على التاريخ

إن ما تضمنه كتاب “يهود دمشق الشام” من معلومات حول تاريخ اليهود، وما تضمنه من أحداث موثقة بالوثيقة والصورة، يؤكد على دور التوثيق في تشكيل ذاكرة الشعوب، وهو السلاح الفكري الذي يجب أن نعرف كيف نوظفه لخدمة دراساتنا، فالكلمة الموثقة الصادقة والدقيقة هي الصورة التي تكشف الحقائق، والكلمة المكتوبة هي التاريخ والوثيقة ورابط الإنسان بوطنه وتاريخه، وهذا ما يجعلنا نهتم بالتوثيق كسلاح نشهره في سبيل الدفاع عن هويتنا وحضارتنا.

المحررة الثقافية