ثقافة

في ملتقى الشعر.. شوقي بغدادي: اليوم لا حصرم ولا عنب.. عيد القطاف انتهى

 

لم يخفِ الشاعر شوقي بغدادي سعادته بتكريمه من خلال ندوة دعا إليها ملتقى الشعر في المركز الثقافي العربي-أبو رمانة بإشراف الشاعر صقر عليشي ومشاركة أسماء إبداعية كبيرة مثل د.ثائر زين الدين– د.رضوان قضماني– الشاعر بيان الصفدي- د.لطيفة برهم وبحضور حشد كبير من الشعراء والكتّاب السوريين.

وأكد الشاعر عليشي أن الساحة الثقافية في سورية تفتخر بوجود قامة كالشاعر شوقي بغدادي الذي يختزن في تجربته ذاكرة شعرية وإبداعية غاية في الأهمية وهو الذي شكل حضوره فيها علامة فارقة بما تحمله من خصوصية، في حين بيّن بغدادي ممازحاً أن تكريمه قبل وفاته من خلال هذه الندوة أفضل من أن تكون بعد وفاته، ولا ينكر أن مثل هذا التكريم سيمدّه بطاقة كبيرة ويؤكد له أن الوفاء ما زال موجوداً في حياتنا وسيوقظ شيخوخته، وأشار إلى أنه وإن ظلمه النقد في مرحلة سابقة إلا أنه عاد وأنصفه مؤخراً، ونوه إلى أنه يعمل على إنجاز ديوان شعري سيرى النور قريباً.

أقل مما يستحق
وبيّن د.ثائر زين الدين أن شوقي بغدادي شاعر كبير، تتلمذ على يديه الكثيرون، وله فضل على تجربته الشخصية وهو الذي قرأ أعماله في سن مبكرة واستمع إليه كثيراً، وأكد أن ما يقال عنه سيبقى مهما كان عظيماً أقل مما يستحق لأن الأثر الهام الذي يتركه شديد الأهمية، حيث ستبقى إبداعاته تتناقلها الأجيال.. وقد قدم الشاعر زين الدين مداخلة عن بغدادي قدم فيها قراءته لقصيدة  “كي تعرفيني جيداً” بعد أن استحضر مجموعة من قصائد نزار قباني عن المرأة التي قدم فيها الصورة- الحلم التي يرغب أن يكون عليها، وأشار زين الدين إلى أن قصيدة “كي تعرفيني” سعى الشاعر ومنذ السطر الأول فيها لرفع اللبس عن تلك الصورة، طالباً من الفتاة أن تتريث قليلاً وأن تطرح ما قرأته من أشعاره جانباً، فهي لا تقدم معرفة جيدة وشفافة للشاعر:
كي تعرفيني جيداً
لا تقرئيني
ولكي تريني جيداً لا تبصريني
كي تعرفيني جيداً لا بأس من بعض التأمل
والرجوع إلى الينابيع القديمة

شاهد حقيقي
وأوضح الشاعر د.نزار بريك هنيدي أنه يدين للشاعر شوقي بغدادي بالكثير في حياته الشخصية ومنجزه الشعري والنقدي الذي يجزم هنيدي أنه ما كان له أن يكون كما هو لولا المقدمة الباذخة التي كتبها بغدادي لمجموعته الأولى “البوابة والريح ونافذة حبيبتي” وقد كان هنيدي في المرحلة الثانوية، وأشار إلى أنه ليس الوحيد الذي يدين له بذلك بل هناك جيل كامل من الكتّاب والمبدعين، ونوه إلى زاويته الشهيرة في جريدة الثورة “قراءة في الأدب الشاب” طالباً أن يُجمع ما جاء فيها ليُطبع في كتاب لأنها شاهد حقيقي على تجربة جيل كامل من الشباب، وقد كان بغدادي الميزان النقدي الشفاف الذي كان يحتكم إليه، وبيّن هنيدي أن أهمية شوقي بغدادي لا تكمن في شعره فقط فهو القصصي والمسرحي والروائي إلى جانب حضوره الطاغي في الحياة الثقافية، حيث لا يمكن الحديث عنها في النصف الثاني من القرن العشرين إلا من خلاله وهو الذي كان حاضراً وبقوة في ساحتها الثقافية.

ذاكرة شعرية وإبداعية
وأشار الإعلامي جمال الجيش الذي أدار الندوة إلى أن شوقي بغدادي ذاكرة شعرية وإبداعية، وبلقائه في هذه الندوة سيعود الجمهور إلى حقبة ليست بقصيرة من الزمن السوري، أيام كان للشعر فيها توقده وتوهجه، وكانت للإنسانية في هذا الوطن مكانتها التي لا تدانيها مكانة، حيث كانت المشاعر سيدة أحاسيسنا، والقلوب تنبض بالخير والمحبة، وكان الشعر حاضراً بشكل دائم على المنابر وفي الأمسيات، وبشكل خاص في جامعة دمشق التي تخرّج منها كبار المبدعين، ويأسف الجيش لأننا عبرنا عقوداً تراجع فيها ليس الشعر وحده وإنما الثقافة عموماً، وقد ذهب الناس في غير اتجاه واهتمام لا يصبُّ في ما هو ثقافي وإنساني، وقد أودى ذلك بمقومات وجودنا الثقافي.

قصيدة طفل حديثة
وفي مداخلته “شعر الأطفال عند شوقي بغدادي” بيّن الشاعر بيان الصفدي أن مساهمة الشاعر في شعر الأطفال تعني فيما تعنيه قدرته على التجدُّد والانتماء إلى عالم الطفولة، بما يمثله من رهافة وانفتاح على جمال الحياة والرغبة في رفد هذا اللون بخبرة شاعر له باعه في عالم الشعر، وأشار إلى أن بغدادي أصدر ثلاث مجموعات شعرية للأطفال صدرت عن وزارة الثقافة، اثنتان ضمن سلسلة كتاب أسامة الشهري هما “عصفور الجنة” عام 1982 و”القمر على السطوح” عام 1984 وكان قد نشر عدة قصائد لم يضمها كتاب في مجلة “أسامة” وعلى نحو متباعد، ثم انقطعت المساهمات لتعود منذ العام 2003 بعدد من القصائد والحكايات الشعرية شكلت انعطافاً فنياً في شعره للأطفال، ثم صدرت مجموعته الثالثة “المعلم جميل” عن وزارة الثقافة عام 2011 وخلال ذلك استطاع أن يعدِّد في أساليب البناء في الحكاية والأنشودة والقصيدة، واستمد الموضوعات من التراث العربي والشعبي ومن ابتكاراته، واستطاع برأي الصفدي بتجاربه الأحدث تقديم القصيدة النموذجية للطفل مع ما تعنيه من لغة مدروسة وتناول شفيف مدهش وموسيقى عذبة وقواف ٍ متناغمة، ومن هذه التجارب الأخيرة مجموعة القصائد التي نشرها الشاعر في مجلة “أسامة” خلال العامين 2004 و2005 ففيهما قدم موضوعات لصيقة بالطفل أو مأخوذة من عالمه، وأكد الصفدي أن هذه الملامح الأساسية في قصيدة الطفل لدى الشاعر بغدادي تدل على دوره الغني في ترسيخ قصيدة طفل حديثة وفنية في أدب الطفل.

عودة الطفل الجميل
ومن خلال مجموعة بغدادي “عودة الطفل الجميل” أكد د.رضوان أن المقارنة بين هذا الديوان وما سبقه تبين أن بغدادي كلما تقدم يرى العالم وما به من أشياء بشكل آخر، فقراءة هذا الديوان –برأيه- ستجعلنا نرى أن بغدادي صار يرى العالم في شعره على نحو آخر وملامح الحداثة راحت تتبلور في شخصيته لتصبح العلاقة مع الواقع مفتاح الدخول إلى عالمه وهو الشاعر الذي يدرك واقعه بعمق، فكانت لغته لغة الحياة وهي مكوّن حداثيّ في “عودة الطفل الجميل” حيث تتشكل من ألفاظ تتسم برهافتها وبساطتها وحيويتها وغنائيتها، كما أنه وظَّف الموروث الشعبي فيه فأعادنا إلى الجو الفلكلوري الذي يعجُّ به هذا الديوان وهي طاقة تعبيرية يوظفها دون إقحام، وأشار إلى أن بغدادي واحد من كبار رواد الحداثة في الشعر العربي المعاصر إلا أنه لم يركض نحو الحداثة بل إن الحداثة سعت إليه.

شيء يخص الروح
وقدمت د.لطيفة برهم مداخلة طويلة عبارة عن دراسة عميقة لمجموعة بغدادي “شيء يخص الروح” فتحدثت عن لحظة المكاشفة الشعرية فيها (في انتظار الحبيبة-القصيدة) وعن المحبة التي تبرز بوصفها قيمة جمالية يتمنى الشاعر وجودها، وأكدت أن المجموعة تتميز ببروز النزعة الذاتية في تعبير الشاعر عن تجربته الشعورية، مجسداً نبض روحه الخاصة وانفتاح ذاته على الحياة، غائصاً في أعماق هذه الذات، كما تتميز بأن الحب فيها ليس حباً خاصاً بالمرأة بل هو حب يعني المكاشفات الوجدانية مع الذات ومع الآخر في الوقت نفسه، أما عناصر الهوية: الشعر والحب والحرية والجمال والحزن فهي في وحدة متجانسة –برأيها- يصعب ترتيب عناصرها من حيث الأولويات، لأن العلاقات التي تجمع بينها تنتج عنها بنية هوية الشيء الذي يخص الروح في المجموعة الشعرية.
وألقى الشاعر شوقي بغدادي قصيدة سطرها خصيصاً لهذه الندوة حملت عنوان “بلاغة الحطب” قال فيها:
اليوم لا حصــــــــرم ولا عنـــــــب
عيد القطاف انتهى ولا عجب

أمينة عباس