إلى الوراء دُرْ

بشرى الحكيم

يبدو أن بعض النجاحات باتت تسبب الرعب وتزرع الخوف ليس بين الجهات التي تتنافس في ميدان صناعة الدراما، لكنها أصبحت تسبب الإرباك لأصحاب الشركات المنتجة لها، والتي تحتكم وتقيس أولاً وأخيراً بميزان الربح والخسارة المادية. ليكون صاحب الحظوة في تصدر قائمة الأولويات إما أعمالاً بمستوى أخلاقي غير لائق يحاكي الغرائز، أو أعمالاً مشتركة تفتح لها الخزائن وتشرع لها شاشات الفضائيات في مواسم العرض الرئيسية، أو أن تسوق لدراما باتت تثير الملل والضجر ليس لجمهور التلفزيون فقط، بل في الأقلام التي أعياها، تكرار الإشارة إلى خطورتها والتشويه الذي أحدثته في الهوية السورية عبر أعمال درامية تسمى “البيئة الشامية” بالطبع يمكن أن يصيبها بعضاً من التغيير، فربما تكون بيئة حلبية أو حموية ويتم إلباسها أي ثوب سوري إلا أنها جميعها لا تقدم من حقيقته إلا ما ندر؛ ولا يتم تسليط الضوء فيها إلا على ما يسيء إليها، يسارع المال إلى دعمها، وتروج لها جهات باتت أكثر من أن تحصى؛ لم تعد ورقة التوت تشغل تفكيرها، لكن الأمل يحدوها على الدوام؛ وتعمل على أن تكون “صورة الهوية السورية” أمام العالم.

وما كان ينقص حال التشتت الذي حُشر فيه جمهور الدراما العربية والسورية تحديداً، والذي سببته التغييرات والأحداث الكبرى على مساحة العالم العربي والأرض السورية بالذات، لم يكن ينقص هذا الجمهور؛ سوى هذه الفوضى والعشوائية التي تحكم أخلاقيات قطاعها وصناعتها. وعلى الرغم من تصدي الكثير من المخلصين لأهمية دورها، لالتقاط تفاصيل وخفايا الأحداث التي تمر بنا، مضافاً إلى ما تختزنه الذاكرة ووجدان الناس، للخروج بنتاج هو انعكاس حقيقتنا وحقيقة مواهبنا وقيمنا، وصونها بعيداً عن سهام تصوب عليها، في محاولة لإحداث أقصى ما يمكن من تشويه، ناهيك عن النتائج الكارثية التي يمكن لست سنوات من الحرب أن تحدثها “ونحن أدرى بما يمكن لتلك الحرب أن تفعله في كل مناحي الحياة” كوارث إنسانية واقع أثرها على إنساننا، وهو الغاية الأهم، حياتياً وفكرياً وأخلاقياً.

وكأنما كتب على هذا الميدان أن يبقى في صراع دائم للبقاء على قيد الحياة، في وجه التحديات المتتالية، لم تعد الأوضاع الأمنية سبباً رئيسياً يتحكم بسير العمل، ويرخي بتأثيراته على حركته،  فمن ظاهرة الاقتباس عن الأفلام الأجنبية إلى تعريب المسلسلات وتجسيدها كي تعرض على مشاهد لا تشبهه في شيء، ولا تنتمي إلى بيئته  إلا من خلال ممثليها، إلى ظاهرة تحويل كتاب الدراما والأقلام المبدعة إلى مستكتبين يجسدون أفكاراً مسبقة ومحددة يعيدون صياغتها على الورق سيناريوهات مقولبة، بينما يكون مصير النصوص الحقيقية زنازين المال وأهوائه، ليغدو القياس والحكم في صناعة الدراما؛ هو المردود المادي لأي عمل بعيداً عن القيمة الفنية الحقيقية، وبالتالي تشتت إضافي وتسرب الخبرات والكفاءات، ضياع وفقدان هوية، يتلاعب بمصيرها رأس المال بعيداً عن كل القيم سوى ميزان الربح والخسارة.

وعندما تتحكم الأهواء بالمعايير والقيم، وتعلو المصالح الخاصة على كل مصلحة عامة، تكون الفوضى؛ التي حدت بأحدهم أن يعلق على حدث إيقاف إنتاج مسلسل سوري كان يُعوَّل أن يضيف قيمة على سهرات الموسم القادم من الدراما بالقول: إما نعيد النظر ببعض القوانين التي تحكم صناعة الدراما ، أو نغدو بحاجة للعودة لقيم العرب القدماء، قانوناً يجعل من الضامن حكماً ومنفذاً يعيد الحق لأصحابه، وإلى الوراء دُرْ.