ثقافة

ثلاث دقائق حصدت ربع مليون مشاهدة على الفيس بوك الحياة تولد من الحرب.. رسالة جلال أبو سمير

عندما تصبح الحرب هي العنوان الأساسي للحياة، ترتبط جميع المفردات والتفاصيل بها، فالحرب بجبروتها، ترغمنا على حملها في داخلنا، وتلاحقنا في ذواتنا، وتنهك أنفسنا المتعبة، ولأننا نعشق الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا، نتحدى الحرب، ونرفض قوانينها الكئيبة، لذا نعتنق الفرح، ونخبئ الأمل في حقيبة، ونهرب بأقصى ما امتلكنا من رضا متجهين إلى النجاة والحياة، ولهذا الرفض أشكال يتجلى أحياناً في أغنية، وفي أوقات أخرى يأتي على هيئة لوحة، أو ربما ضمن فيلم صغير يحمل عنواناً كبيراً هو “الحرب والحياة”، كما فعل الشاب سوري الانتماء، فلسطيني الجنسية جلال سليمان أبو سمير الذي قدّم رؤيته الخاصة عن الحياة التي تولد من رحم الحرب في فيديو قصير حمّله معاني كبيرة، ومقولة هامة هي (إن هذه الحروب تجعل من الفقدان شعوراً دائماً، وتجعل من الحسرة رفيقاً للعمر كُله، كفاكم حروباً، فالحياة تُحتضر) محاولاً اختصار آلام الحرب في دقائق الفيلم الثلاث، فكانت كلمات الخسارة هي أبطال الحكاية.

ومضات إنسانية
يعتبر جلال أن فيلمه (الحرب والحياة) رسالة إنسانية أكثر من كونه عملاً فنياً بصرياً فقط، وهو نتاج ظروف تراكمية، ومآس عصفت بالبلد على مختلف نواحي الحياة، خلقت واقعاً قاسياً يتطلب منا أن نُعيد النظر كُلياً بما حولنا، وعلى الرغم من طول الفترة الزمنية على هذا الواقع الذي فرض نفسه علينا، إلّا أن الفيلم -كما يذكر جلال-  جاء كرسالة مختصرة مبسطة لا تتعدى الثلاث دقائق، جاءت كومضات صغيرة تحمل مضامين كبيرة دون التبحر بشرح التفاصيل الكثيرة، بل اقتصرت الفكرة الرئيسية على كلمات قصيرة، تشرح هذا الواقع الموجع، واختزلت الصور التي تم توظيفها في الفيلم الكثير من الملامح التي تُشكل الرسالة المُراد إيصالها للمُتلقي والمُشاهد، فلا شيء يعبّر عن ما تجيشُ به الصدور أكثر من الكلمة والصورة لتشكلان بنهاية المطاف رسالة، مفادها أن ننظر بعين الواقع، ونستشعر حجم الفاجعة التي ألمّت ببلدنا الحبيب، فالخسارة شيء مُشترك، ولم يسلم منه أحد في مجتمعنا، وعندما نُشاهد الفيلم سنُدرك يقيناً حجم الألم الذي أنتجته هذه الحرب بشكل كارثي ومؤلم على صعيد البشر والحجر.

طريقة إخراجية
ولأن المخرج “أبو سمير” لديه من الخبرة الكثير -باعتباره مدير إنتاج إعلامي في إحدى شركات الاستثمار الدولية- لم يحتج إلى أي مساعدة في تنفيذ الفيلم، بل  نفذه شخصياً وبشكل كامل من حيث الفكرة والمضمون والرؤية والإخراج باستخدام بعض الصور من الانترنت، نظراً لعدم تواجده الحالي في سورية، وصعوبة الوصول لبعض الأماكن التي يتوجب تسليط الضوء عليها، ونوّه أنه تم توظيف الصور بطريقة إخراجية، تُشكل تقارباً مع الواقع من حيث المضمون، وعناصر الجرافيك التي نفذها وصممها، ولفت إلى أن للكلمة دوراً أساسياً في صياغة العمل الفني، ولها أهمية بالغة في تجسيد ما نرغب بإيصاله من أفكار للمُتلقي والمُشاهد، فالرسالة في الفيلم تُصاغ حروفاً لتنقل فكراً وإحساساً وشعوراً.

بصمة بصرية
لم يكن فيلم (الحرب والحياة) هو الفكرة الأولى للشاب جلال،  فقد كان لديه نية إخراج فيلم توثيقي، يسلّط الضوء على البيئات السورية المتنوعة في مختلف المحافظات منذ عام 2011، ولكنه لم يتمكن من تحقيق مشروعه لعدة أسباب، إلّا أن إصراره على ترك بصمة بصرية جعلت فيلمه الحالي يظهر إلى النور، فهو يرى أن وسائط الإعلام المختلفة، وتقنيات التواصل البصري، بات لها التأثير الأكبر في تشكيل قناعات وتوجيه الرأي العام، ويعتبر هذا النوع من الأفلام تحديداً بمثابة رؤية توثيقية للواقع الذي نعيشه، ما يجعله رسالة صادقة للمتلقي بضرورة إعادة التفكير مجدداً بما نحن فيه.

دعوة للسلام
وللفن دور في حل الأزمة الراهنة على صعيد المجتمع -كما يؤكد جلال- إذا كان يحمل مضامين صادقة مُنصفة حقيقية، تُحاكي الواقع بكل تجرُد ومصداقية، بحيث يتشكل وعياً حقيقياً لدى أفراد المجتمع، فلا يمكن لأحد أن ينكر أن للفن دوراً في المجتمع الإنساني وشريكاً في حل المُشكلات والأزمات، ويعتبر طريقة للدعوة للسلام وترك الحروب، ولكن للأسف يهمل الكثيرون هذا الدور الذي يمكن تلخيصه في عنصرين، هما أن الفنون تحقق السلامة النفسية للبشر وتُقيم توازناً بين المادة والعاطفة، ويضيف:إن الفن وسيلة يعبّر بها الفنانون عن مشاعرهم تجاه المجتمع من خلال لوحة واقعية، أو قطعة موسيقية، أو عمل توثيقي واقعي، أو عمل فني بصري، يحمل رسالة تُلامس الذات الإنسانية، فكم من عمل توثيقي خلق قرارات ترجمت واقعاً ملموساً، ودفعت ظُلماً، وأوقفت قهراً يُمارس ضد طرف معين، وكم من أقدار أمم تغيّرت نتيجة وعي مجتمعاتها.

استقطاب وإعجاب
لجأ جلال، وهو أحد مؤسسي مشروع “دمشق 2020” الذي يُعنى بتنمية المجتمع، وتطوير البنى الاجتماعية والتحتية في بلدنا الحبيب، إلى توظيف وسائط التواصل الاجتماعي لنشر الفيلم من خلال صفحة المشروع التي تستقطب قُرابة ربع مليون شخص من مختلف الدول وبلاد الاغتراب، وأعرب عن سعادته بأن الفيلم حقق إعجاب شريحة كبيرة من الناس، ولفت أنه في الفترة المقبلة سيتم تنفيذ فيلم قصير في العاصمة دمشق.

لوردا فوزي