ثقافة

فتح الله بمشاركة عمران وعدرة نحو إبداع جديد في الموسيقا الشرقية

فرضت الموسيقا الآلية حضورها في المشهد الموسيقي، والثقافي، والحضور الكبير لعشاقها في الأمسية التي قدمتها الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله على مسرح الاوبرا يثبت ذلك، وقد حفلت بمجموعة من الأنماط الموسيقية لأعمال التأليف الموسيقي للموسيقيين السوريين، ولأشهر الشرقيين، كما حضرت النجومية الموسيقية لعازف الصولو عمران عدرة على آلة القانون، ونزار عمران على آلة الترومبيت التي طوّعها لشرقنة هذه الآلة الغربية واستخدامها بالجملة الموسيقية الشرقية، رغم إمكانات الآلة المحدودة مقارنة بالوتريات، فأضفت على الألحان بعداً آخر استحوذ على إعجاب الحاضرين، لاسيما في مواضع لحنية خاصة أظهرت حنية هذه الآلة، رغم أنها آلة أساسية في الفرق العسكرية، لتضيف هذه الأمسية إبداعات جديدة للفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية على صعيد التأليف، والتوزيع، والتجديد، والتطوير، والعودة إلى إبداعات الزمن الجميل التي تفاعل الجمهور مع أنغامها.

روح مختلفة للتأليف
بدأت الأمسية بسماعي نهاوند، تأليف وتوزيع كمال سكيكر عازف العود كافتتاحية لعزف بعض أعمال المؤلفين السوريين، تلتها “الطريق إلى دمشق” التي طغت عليها مشاعر الحنين للمؤلف كنان أدناوي وتوزيعه، ليكون للإيقاعيات الشرقية والغربية دور فيها مع الوتريات، وتميزت بمنعطفات لحنية لتقاسيم العود، ومن ثم البزق بمرافقة خافتة للإيقاعيات، لتسليم اللحن إلى تقاسيم القانون، ثم الناي، والعودة إلى اللحن الأساسي للفرقة، وبدت تجربة المؤلفة الموسيقية ليال وطفة بروح مختلفة، ونمط آخر لتأثرها بعملها في مجال التأليف للموسيقا التصويرية، والإعلامية، بحضور لمسة موسيقية للخطاب الدرامي، ففي عملها “ذاكرة من ورق” طغى الإحساس بالحزن، معتمدة على نغمات التشيللو بشكل واضح، ليتشارك مع الوتريات، ثم يتصاعد اللحن بقوة الإيقاعيات كتأجيج للحدث، لتصل الفرقة إلى مرحلة النجومية الأولى بتقديم عازف صولو القانون عمران عدرة في “عيون شاردة” من قالب السماعي الثقيل، للمؤلف العراقي عازف العود خالد محمد علي الحائز على جوائز عالمية، وتوزيع كمال سكيكر، فأخذ القانون دور اللحن الأساسي بمرافقة الفرقة، ثم بمواضع العزف المنفرد، وتنوعت الألحان بارتجالات لحنية من عدة مقامات، ليعود إلى مرافقة الفرقة بحضور واضح للكمنجات، وقد تمكن عدرة من شدّ الحاضرين إلى أبعاد أصوات القانون، ومهارته بالعزف.
وافتتح القسم الثاني من الأمسية بمقطوعة تحميل حجاز من التراث القديم، وقد وزعه المايسترو فتح الله بجمالية لحنية واضحة، وجمل موسيقية قصيرة، ونشطة، وحيوية، موظفاً آلات الفرقة بحضور التشيللو، والناي للعازف إبراهيم كدر، لتدخل الفرقة مرحلة النجومية الموسيقية الثانية مع اشتراك بعض آلات النفخ النحاسية، والخشبية: (ترومبيت- ترومبورن- فلوت)، مع صولو آلة النفخ النحاسية ترومبيت للعازف نزار عمران بمشاركة جديدة له بمقطوعة “أحبك” للمؤلف التركي العالمي عمر فاروق تكبيلك الذي مزج بموسيقاه بين الإيقاعات الشرقية والغربية، وموسيقا الجاز، توزيع إياد عثمان، فبدت أشبه بقصة موسيقية ترجمت مشاعر وجدانية لقصة حب، تميزت بدور آلة الترومبيت، لتأخذ الدور الأساسي بتجربة إبداعية لتطويع الآلة للحن الشرقي، فاستخدم في مواضع العزف المنفرد التي أفردت لها مساحة في المقطوعة الجمل الموسيقية الطويلة، والامتداد اللحني الرومانسي، ثم مشاركة الكمنجات بحضور النحاسيات كفواصل لحنية، لتنتهي المقطوعة مع مرافقة الفرقة.
وبدت جمالية ألحان الترومبيت، وحضورها الطاغي في المقطوعة المألوفة، والقريبة من الجمهور “كان عنا طاحون” للأخوين رحباني، توزيع إياد عثمان بجمل موسيقية قوية، لاسيما في مقطع “كان عنا طاحون ع نبع المي قدامه ساحات مزروعة فَيْ” وسط تفاعل الجمهور الكبير، وإبداع جديد لآلة الترومبيت، إذ أضفت على الألحان لوناً آخر، وأخذتها إلى عالم مغاير، لتنتهي الأمسية بموسيقا الزمن الجميل “لونغا فرحفزا”، تأليف رياض السنباطي، وتوزيع كمال سكيكر القائمة على قالب اللونغا المؤلف من أربع خانات وتسليم، وهي من أجمل مؤلفات السنباطي، واتصفت بحركة موسيقية سريعة وقوية لآلات الفرقة، وضربات التيمباني، تظهر براعة العازفين، وكانت الأجمل لدى الجمهور.

ملده شويكاني