ثقافة

محمد الكبنجي.. مدرسة المقام العراقي والعربي

 

من رواد المقام العراقي ومن المجددين والمطورين له والمحافظين على أصوله وقواعده الفنان الراحل محمد الكبنجي، وُلِدَ في بغداد، في محلة سوق الغزل في بداية عشرينيات القرن الماضي، عمل منذ صباه مع والده وعمه في محلات الحبوب والفواكه في منطقة “الشورجة”، وبدأ الناس يعرفونه في عام 1917م كمغن للمقام العراقي الذي أخذ غناءه عن والده، حيث كان يؤدي المناقب النبوية الشريفة، ويغني المقام، وأخذ الفنان الكبنجي يقصد مقهى “قدوري العيشة” في بغداد والذي كان يرتاده كبار مغنيي المقام العراقي من أمثال “الملا عثمان الموصلي”، و”السيد ولي واسطة محمود الخياط” و”عباس كمير” و”جميل البغداي: و”رشيد القندرجي” و”نجم الشيخلي”، وكان “قدوري المعيشة” يشجع الشاب الكبنجي، على غناء المقام العراقي ويتحدى بغنائه أولئك المطربين، وبينما كان الكبنجي في عام 1931م، يقوم بزيارة برلين ليسجل لشركة “بياضفون الألمانية” بعض الاسطوانات من غناء المقام العراقي، بلغه وفاة والده الذي تركه طريح الفراش في بغداد، فأخذ ينعاه واكتشف فجأةً أنه يردد مقاماً جديداً لا عهد له به من قبل، وإنما جاء نتيجة حزنه وأساه الشديدين على فقدان والده وهو في بلدٍ غريب، وفي اليوم التالي بينما كان يسجل (مقام البيات) في الأستوديو، وجد نفسه ينتقل بدون شعور لغناء ذلك المقام الجديد، وعند انتهاء التسجيل قرر الكبنجي أن يسمي ذلك بمقام (اللامي) نسبةً إلى لومه نفسه على فراقه لأبيه وتركه يموت وحيداً. وأما الأبوذية التي غنى بها الكبنجي هذا المقام فكلماتها تقول:

علامَ الدهر شتتنا وطَرنا

عقب ذاك الطرب بالهم وطرنا

ألف يا حيف ما كفينا وطرنا

وليالي اللي مضت ما تعود اليَّ

رُشّح الفنان الكبنجي لرئاسة الوفد الغنائي العراقي بالمؤتمر الموسيقي الأول الذي عُقِدَ في القاهرة في عام 1932م، وكان في وداعه رئيس الوزراء العراقي السابق “نوري السعيد” والشاعر الكبير “معروف الرصافي” وممن احتفى به عند وصوله إلى القاهرة أمير الشعراء “أحمد شوقي” و”حافظ إبراهيم” وشاعر الشباب “أحمد رامي” والمطرب “محمد عبد الوهاب” وكوكب الشرق السيدة “أم كلثوم”، وغنى الكبنجي في الحفل الذي أقيم في دار الأوبرا الملكية بمناسبة انعقاد مؤتمر الموسيقا العربية والتي افتتحها ملك مصر آنذاك “فؤاد الأول” – مقامات المنصوري واللامي والمخالف والصبا والسيكاه والحسيني والبنجكاه والمدمى والشرقي دوكاه والبهيرزاوي والإبراهيمي والحويزاوي.

ومن الجدير ذكره هنا أن الفنان محمد عبد الوهاب صعد إلى خشبة المسرح وغنى أغنية بدايتها: (يا ليل) وعندها صفق الجمهور له، وبعدها صعد محمد الكبنجي إلى المسرح فغنى أغنية مطلعها (يا ليل لم) فصفق الجمهور بشدة وقام الملك “فؤاد الأول” من مكانه وصافح محمد الكبنجي لبراعته في الأداء، وهنا قال الشاعر الكبير أحمد شوقي: (لقد أنهى الفنان محمد الكبنجي ليل محمد عبد الوهاب). وقد اقتبس الموسيقار محمد عبد الوهاب مقام اللامي من الكبنجي ولحن فيه بضعة أغانٍ منها: (يا اللي زرعتوا البرتقال) التي غناها في فلمه (يحيا الحب) وأغنية (اسمح قلي يا نور العين) التي غناها في أوائل الأربعينيات، ويذكر أن الفنان محمد الكبنجي غنى بعض الأغاني الوطنية والعربية ومنها:

“بلادي وإن جارت عليَّ عزيزةٌ”، حقاً إن الفنان العراقي محمد الكبنجي كان مدرسةً في المقام العراقي والعربي دون مُنازع، يذكره الشارع العربي ويتغنى بأغانيه الجميلة حتى يومنا هذا.

د. رحيم هادي الشمخي