ثقافة

“كاتب الرفض والتمرد” في ملتقى السرديات

ساهم المشاركون في ملتقى السرديات الذي حمل عنوان: “سعيد حورانية: كاتب الرفض والتمرد” في عدة موضوعات أغنت الندوة، فتطرق د.جمال عبود إلى سعيد حورانية بين محفزات الحكاية، ونواظم القصة الجديدة، ومن المؤكد أنه عنوان إشكالي، لكنه تصدّى له، فأجاد في عرض قصة حورانية في جانبها الحكائي من جهة، ومن جهة أخرى بما تمثل من جديد وحداثة القص والحكائية، كقصة الومضة، والرمز، والبوح الذاتي، واللغة الأدبية الرفيعة التي استخدمت فيها.

وتحدّث الأديب عبود عن دراية بالوقائع التي استند إليها حورانية في بعض قصصه، بل وعلى معرفة ببعض الشخصيات التي صرّح بها في قصصه ذاتها، فوقف في حديثه عند بعض الأمثلة على محفزات الحكاية عند القاص حورانية بناءً على معرفة شخصية وصداقة جمعتهما، وختم حديثه بسؤال مهم هو، لماذا توقف سعيد حورانية عن الكتابة فجأة؟ معتقداً أن توقفه عن الكتابة عائد إلى توقفه عن الدهشة، وأنه وجد مبكراً في هذا العالم، على نحو ما، ما يتجاوز أي قصة، وما يفرغ أية حكاية من أي قدرة على الإمتاع والمؤانسة، وعلى التجديد والابتكار.

أما الشاعر شوقي بغدادي، فانطلق حديثه من القلب مستعيداً ذكرياته مع سعيد حورانية، بدءاً من مقاعد الدراسة إلى العمل الحزبي والاعتقال والنفي. كل هذه الأحداث التي عاشاها معاً، وأثرت في شخصيتهما وفي شخصية حورانية تحديداً، والتي كونت آراءه، وأفكار المتمردة على محيطه، إضافة إلى بعض المواقف الطريفة التي صادفتهما، وأشاد بإبداع حورانية وأسلوبه المميز، وأجاب عن السؤال الذي طرحه د.جمال عبود للنقاش بأن السبب الرئيسي في توقف حورانية عن الكتابة يعود للنقلة الكبيرة في حياته أثناء إقامته في موسكو، وتغرّبه عن الدوافع الأساسية للكتابة، وخاصة الحرمان إثر انخراطه في الحزب الشيوعي.

أما مشاركة د.صلاح الصالح التي ألقاها نيابة عنه نذير جعفر، وكانت بعنوان “سعيد حورانية ذلك المفرد بصيغة الجمع” بحسب تعبير مستعار من أدونيس، فصنّف قصص سعيد حورانية من حيث طبيعتها الفنية، لا من ناحية وظيفتها في ثلاثة محاور هي سرد الأحداث، وسرد الأفكار، وبسط المواد المناسبة، أو الصالحة للتوظيف السياسي في سياق التحريض على مقاومة السلطات، وقوى الاستغلال الطبقي، وسياق تجميع ما يمكن تجميعه من تعاطف مع الطبقات الفقيرة على وجه العموم، على اعتماده ثلاثة سبل: سبيل النفاذ العميق إلى بواطنهم، وتلمس مواجعهم العميقة، وإبراز الفكرة الذاهبة إلى أنهم بشر حساسون، خلافاً للأغنياء الذين تنوب ثرواتهم مناب أفكارهم، وأحاسيسهم الإنسانية، والسبيل الثاني فضح الممارسات القمعية والطبقية التي تمارس ضدهم في سياق الحرص على إبقائهم فريسة الفقر، والجهل، والمرض، ووضعهم في موضع الاستغلال، وخدمة الأغنياء، والسبيل الآخر هو سبيل تمجيد الحزب البروليتاري الذي يدّعي حصرية تمثيل البروليتاريا، واحتكار الدفاع عن مصالح الفقراء والكادحين، في إشارة إلى حصرية هذا الحزب اللينيني الماركسي بالقدرة على قيادة الكفاح السياسي والطبقي، ونوه الصالح إلى فكرة الريادة، حيث رسخ الكاتب في وقت مبكر من الحياة الثقافية السورية ضرورة أن يكون المبدع مثقفاً على شتى الأصعدة، وأشار إلى قدرة حورانية على معالجة مواضيع ذات تنوع قليل، كالتدين الزائف، والقمار، والتمرد، والخروج على الأعراف، وأزمة المثقف، وتناوله مواضيع أدبية جريئة في ذلك الحين رغم بداية حياته المتشددة.

وتطرق د. عاطف بطرس في مشاركته إلى أيديولوجيا الكاتب والإبداع الفني، والتغيرات في شخصية حورانية، وانتماءاته التي أثرت على كتابته وأسلوبه، وهذا ما جعله كاتب الرفض والتمرد بجدارة، وأضاف القاص بشار بطرس، والناقد أحمد هلال في مداخلة كل منهما المميزة غنى أكبر للملتقى، فطرح بشار بطرس فكرة استنفاذ سعيد حورانية في قصصه لحاجات الإنسان ودوافعه لإشباعها حسب هرم أبراهام ماسلو، وأعطى أمثلة على ذلك من عدة قصص كالصندوق النحاسي، كما أشار إلى أن الإذهال في قصص حورانية هي البساطة التي توحي بعدم وجود رموز، في حين أن هناك رموزاً من العيار الثقيل، وهكذا انتهت الندوة برغبة تقول: “هل من مزيد؟” في قلوب الحاضرين المحبين لسعيد حورانية الكاتب والمبدع.

 

سلمى طلاع