ثقافة

ضجيج وحنين أزمات الإنسان بلغة الجسد

انشغاله الطويل في قسم الرقص بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتقديم مشاريع تخرّج فيه ولوحات بمناسبة يوم الرقص والمسرح العالمي، وبعد تقديمه لمجموعة كبيرة من العروض السابقة والتي لاقت نجاحاً كبيراً يعود الفنان معتز ملاطيه لي كمخرج ليقدم عرضاً بعنوان “ضجيج وحنين” وقد بدأت عروضه مؤخراً على خشبة مسرح القباني بدمشق عن نص له بالتعاون مع الفنانة راما الأحمر ومصمم الرقص حمود شباط.

أزمات الإنسان
يبيّن ملاطيه لي أن “ضجيج وحنين” يتناول أزمات الإنسان حين تتتالى وكيفية تفاعله معها إلى درجة قد تصل في بعض الأحيان لإيذاء نفسه وكيف يمكن في النهاية أن يجد حلولاً لها للخروج من الضغط النفسي الكبير، موضحاً أنه -وهو الذي اعتاد أن يؤلف ويخرج ويصمم رقصات عروضه- يتم اختياره لأول مرة من قبل راما الأحمر لإخراج هذا العمل بعد أن دعته للتعاون، وأشار إلى أنه اعتذر في البداية لانشغالاته الكثيرة إلا أن إلحاحها هي ومحمد شباط وتشجيع المحيطين له شجعه على العودة من خلال فكرة بسيطة للعرض تتحدث عن حالات إنسانية، ليجد نفسه تدريجياً متورطاً في كتابة نص، خاصة وأن كل تجاربه السابقة كان قد كتب نصوصها، فكتب نصاً هدفه بالدرجة الأولى وخز وتحريك المتلقي بعد أن أصبحنا بليدين بإحساسنا اتجاه كل ما نتعرض له لطبيعة الحياة السريعة التي نعيشها والتي جعلتنا غير مبالين بالأشياء الجميلة والذكريات، بعد أن أصبح همّنا الركض وراء لقمة العيش، بحيث افتقدنا للاحتفال بحياتنا فنسينا احتفالاتنا الشخصية وكان من الضروري برأي ملاطيه لي إيقاظ ما بدأ يتلاشى ويخبو فينا مع الزمن، وهذا مرفوض برأيه مما جعله يقدم نهايات مفتوحة ومفاهيم غير محددة أو مباشرة بحيث يريد أن يخرج كل متفرج بمفهومه الخاص المرتبط بحياته وثقافته.
وعلى صعيد تصميم الرقصات يشير ملاطيه لي إلى أن حمود شباط كان قد قام بتصميمها وتعديلها وفق النص، ومن ثم قام هو كمخرج بمعالجتها ليكون عرضاً مسرحياً راقصاً، فكانت مهمته الإشراف على الرقصات لتتناسب مع الفعل الدرامي لأن العرض ليس عرضاً راقصاً بل عرض مسرحي راقص.
مونو دانس
ورداً على سؤال لماذا اعتمد الرقص كأسلوب لإيصال مضمون العرض أشار إلى أن النص لا يقوم على الحوار والشخصيات فقد جاء على شاكلة المونودراما “مونو دانس” ليقدم أفكاره بلغة الجسد من خلال أداء طبيعي لراما الأحمر كممثلة وراقصة، ويثني ملاطيه لي على موهبة الأحمر وحساسيتها العالية مما جعلها تتلقى كل الملاحظات والتعليمات بشكل واعٍ دون أن ينكر -وهو الذي يتعامل مع الأحمر للمرة الأولى- أن البدايات كانت صعبة إلا أن الأمور سارت بشكل تصاعدي لتحقيق التآلف بينهما.
ويتذكر صاحب الكثير من العروض والتي كان أهمها “أحلام افتراضية” الذي حقق نجاحاً كبيراً وحضوراً جماهيرياً كيف تناول فيه لأول مرة وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل بين عاشقين، وليسلط الضوء على المجتمع الاستهلاكي الذي نعيش فيه، واصفاً الإخراج بالمهمة الصعبة على الرغم من التعاون الكبير لمديرية المسارح والموسيقا، لأن المخرج عليه القيام بأمور كثيرة غير الإخراج، وهذا يشكل ضغطاً إضافياً عليه، كما لا يقر ملاطيه لي بوجود أزمة جمهور على الإطلاق وقد حققت عروضه إقبالاً كبيراً في أقسى الظروف التي عشناها، مذكّراً أنه وبعد عودته من الخارج عام 1990 حين بدأ يقدم لوحات تعبيرية كان هناك من يقول أنه لم يفهم ما هو المقصود بها، إلا أن هذا الأمر لم يطل وتغيّر تدريجياً بفعل تعويد الجمهور على هذه النوعية من العروض، وهذا يعني برأيه أن المسرح ثقافة تتعزز بفعل التعوّد والمتابعة، وبيّن أن عروض المسرح الراقص ازدهرت في فترة من الفترات بسبب وجود عدة فرق وتجارب، لكنها سرعان ما تلاشت، والسبب برأيه له علاقة بماهية هذه الفرق والتجارب التي راح بعضها باتجاه ما هو تجاري ووقوع البعض في فخ التكرار لإمكانياتهم الإبداعية المحدودة، وبالتالي لم يستمر إلا أصحاب المشاريع الحقيقية في هذا المجال، وهذا يعني برأيه أن المطلوب بالدرجة الأولى التجديد والبحث عما هو جديد، مؤكداً على دور قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية في تخريج راقصين محترفين ومميزين، ويأسف لأن معظمهم أصبحوا اليوم في الخارج يحققون حضوراً مشرِّفاً وإنجازات باتت الصحف الغربية تحكي عنها، وهذا يعني أن قسم الرقص يعلِّم بطريقة صحيحة، ويحزنه أنه اليوم لا يقطف ثماره في سورية.
ويحضِّر ملاطيه لي لعمل استعراضي فني كبير سيقدَّم بمناسبة يوم الرقص العالمي على مسرح دار الأوبرا.
وتؤكد راما الأحمر بطلة العرض على أهمية تجربتها مع معتز ملاطيه لي وقد كانت تجربة جميلة جداً وصعبة في الوقت نفسه باعتبار أنه ولأول مرة يكون للعروض الراقصة مخرج باعتبار أن العرض ليس عملاً راقصاً فقط، بل هو عمل مسرحي راقص يعتمد على الحركة والتمثيل، وقد كان ذلك بمثابة تحدٍّ كبير لها، وخاصة على صعيد التمثيل وهي التي اعتادت أن تقدم عروضاً راقصة فقط، ولا تخفي الأحمر أنها كانت مرتاحة لهذه الدقة لأن الاهتمام بالتفاصيل هي التي تنتج عملاً متقناً، ولذلك هي سعيدة بهذه التجربة مع الفنان ملاطيه لي الذي قدم لها الكثير حسب تعبيرها، وكل ما تتمناه أن تكون قد وفِّقت بترجمة ما يريده على خشبة المسرح، ونوهت إلى الدور الكبير الذي قام به مصمم الرقص حمود شباط بحيث أتاحت لها الظروف التعاون مع فريق عمل محترف تثق به، وأشارت إلى أن العمل مع شباط جعل العرض غنياً ومتنوعاً للطريقة المبدعة التي صمم بها الرقصات والتي تناسبت مع النص المكتوب، وتمنت أن تلقى الجهود المبذولة رضا الجمهور.
أمينة عباس