ثقافة

تكريم المرأة في عيدها

“التكريم” كان رسالة الباحث وضاح رجب باشا في المحاضرة التي ألقاها في المركز الثقافي العربي-أبو رمانة- لمناسبة عيد المرأة وعيد الأم، والتي لم تكن متخصصة بالموسيقا كالمعتاد إذ تطرق من خلالها إلى محاور متعددة تتناول مفهوم الأمومة وتأثيرها بالذات الإنسانية، وقدرتها على تنمية منافذ الإبداع، وزرع بذور المحبة للوطن والأسرة والأهل والجوار، وفي منحى آخر أشار إلى دورها الجمالي في الحياة الثقافية وحلل واقعها في مجتمع يميل نحو الذكورية. وكان الفيلم التوثيقي المحور الأساسي في المحاضرة التي اتخذت الطابع الحواري بإثارة مسائل عدة من خلال المداخلات.

المرأة والموسيقا
كثيرة هي الأغنيات التي تغنت بالأم ونبلها في عيدها لكن الباحث اختار أغنيات غير مألوفة ليحلل معانيها ورقتها مثل أغنية شادية “أمي” التي كانت مفاجأة للحاضرين ولم يتوقعوا أنها بصوت شادية “ضميني دوبيني غرقيني في الحنان، خذيني طهريني اغسليني من الأحزان”.
ثم أصغى الحاضرون إلى أغنية ماجدة الرومي الرائعة “ومهما نكبر ياأمي لسا بعينك صغار” وأغنية فيروز التي كما ذكر الباحث لم تكن بلغة الخطاب، وإنما كانت نوعاً من النداء يعبّر عن جمالية الأمومة “أمي نامت ع بكير وسكر بيي البوابة” كما فاجأ الباحث الحاضرين بأغنية فايزة أحمد “ست الحبايب” لكن بصوت محمد عبد الوهاب”. ليصل إلى المحور الأساسي في الأمسية وهو الفيلم التوثيقي الصامت والقائم على موسيقا الأم، وعلى تتالي الصور الصامتة المعبّرة عن ذاك الرابط الخفي عن سرّ الحبّ الأبدي بين الأم وابنها من وجوه متعددة أنبلها صور أمهات الشهداء، إلى صورة المرأة التي تحتضن في الملجأ ابنها المصاب، وتحميه بجسدها أمام أكوام الخراب والدمار، إلى الأم التي تساعد ابنها المعوق.. إلى عذابات الأم التي تنظر بلهفة وقلق إلى النافذة وقد أعياها الانتظار، إلى أجمل صورة لمحبة الأم وهي تبتهل وتناجي الله أن يحفظ أولادها، ليصل الفيلم إلى الصورة التي اختزلت رسالة الأبناء تجاه أمهاتهم بتكريمهن، وتنسحب هذه الصورة إلى صور كثيرة منها رجل يحمل أمه وهو يطوف بها حول الكعبة الشريفة.

المرأة والشعر
منذ عصور الجاهلية غدت المرأة ملهمة الشعراء، إذ اشتُهر الأدب الجاهلي بفنون التغزل بالمرأة ووصف محاسنها الجسدية والتشبب بها، وحفل أدبنا العربي بنماذج كثيرة فقرأ الباحث مجموعة أبيات من عصور مختلفة، كقول عنترة:
فوددتُ تقبيل السيوف لأنها    لمعت كبارق ثغرك المتبسم
إلى جرير
إن العيون التي في طرفها حور    قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
ونزار قباني حين قال:
بعض النساء وجوههن جميلة    وتصير أجمل حينما  يبكين

تكريم المرأة
استهل الباحث باشا حديثه بتكريم المرأة في جميع الأديان لدورها الكبير في رعاية أولادها وزرع بذور التربية الصالحة منذ صغرهم، فهي التي تلد الرجال العظماء وتقدم أبناءَها للدفاع عن الوطن، فكيف لاتُكرّم وهي والدة الشهيد. لينتقل إلى دورها الكبير في الأسرة والمجتمع ودورها في عملية التنمية من خلال ممارسة دورها الفعّال في مختلف الصعد العملية والمهنية في مجتمع يميل نحو الذكورية، لاسيما بسنّ قوانين الأحوال الشخصية التي يسيّر بعضها لمصلحة الرجل. ورغم ذلك فالمرأة في مجتمعنا حصلت على نسبة كبيرة من حقوقها.
واقع المرأة
وتابع الباحث حديثه حول واقع المرأة حيث منحها عملها كياناً مستقلاً لكن في الوقت ذاته تعيش المرأة المتزوجة بحالة صراع دائم بين مسؤولياتها تجاه عملها وبيتها، مما يشعرها بنوع من الضغط النفسي الذي يجعلها أسيرة التوتر والقلق، وفي منحى آخر يمكن أن تنشأ مشكلات مادية بين الزوجين لاسيما إذا كان راتبها أكثر من راتب زوجها، وبرأي الباحث المشكلة الأكبر هي عدم إيجاد الوقت الكافي للاهتمام بطفولة أولادها التي تساهم في تنمية شخصيتهم في المستقبل، ورعاية مواهبهم، كل هذه الأعباء تتحملها المرأة، ومع ذلك المرأة في المدينة تحظى باهتمام وتقدير أكثر من المرأة الريفية المظلومة التي تتحمل كل المسؤولية تجاه بيتها، إضافة إلى معاناتها من ظاهرة تعدد الزوجات. ليخلص الباحث إلى أن واجب تكريمها يعدّ مسؤولية جماعية وفردية.
في القسم الثاني من المحاضرة أُثيرت مداخلات فتحت الباب لنقاشات مطوّلة، منها ما أثارته إحدى السيدات عن مفهوم التشاركية بالتربية لتكون شخصية الطفل متوازنة، وترى أن إشراف الأب العام على تربية ودراسة ابنه لاتكفي، فالتشاركية تكون بالاهتمام اليومي ومساعدة الأم بالممارسات اليومية مثل إطعامهم واللعب معهم وتدريسهم وتنمية مواهبهم والإصغاء لهم.
في حين أشاد الأديب أيمن الحسن بالمحاضرة التي وصفها”بأمسية أخلاقية” تتسرب إلى الوجدان مباشرة، وبأهمية القيم النبيلة التي نحن بحاجة إليها الآن، وناقش مفهوم الاتكالية نتيجة سلوكيات خاطئة بالتربية، حينما لاتسمح الأم لابنها بالاعتماد على نفسه بشكل جزئي مما يعزز الطاقة السلبية لديه ويجعله فرداً اتكالياً، وصولاً إلى مساوئ التعنيف والتهميش.
أما السيدة سناء الحسن فأوضحت مسألة هامة وهي الانسلاخ عن الأم، ووصفت هذه الحالة بالعملية الصعبة التي تحتاج إلى ثقافة مفهوم انسلاخ الرجل عن أمه بزواجه وكذلك البنت عن أمها بزواجها، مما يتطلب وقتاً لاستيعاب الأم للحدث، وفهم خلفيات هذه المسألة تقرب بين والدة الزوج التي هي أم وزوجة الابن، وتخفف من حدة مشاحنات قد تحدث.

ثقافة المقاومة
وعزز د. بشير البلح ثقافة المقاومة من خلال حديثه عن صمود المرأة ومقاومتها وقدرتها على اتخاذ القرارات الصائبة في مجال الدفاع عن النفس وعن الوطن، مستشهداً بصورة إحدى بطلات التاريخ خولة بنت الأزور. ليخلص الباحث إلى أن التكريم يقودنا إلى بناء مجتمع قائم على المحبة والتسامح الذي نحتاج إليه في وقتنا الحالي لإعادة إعمار وطننا.
ملده شويكاني