ثقافة

إرهـاصـات قصيـدة الـرؤيــا

لا حداثة دون رؤيا، وعلامات التجريب هي سياق الضرورة الإبداعية التي ترتبط بهواجس الإبداع وأسئلته الأساسية، لكننا في حقل الشعر والتجربة وقوفاً على جدلية الحداثة والتجريب، لا ننفك نصغي إلى تجارب بعينها وسمت المشهد الشعري السوري بسمات وخصائص دالة، لعل أهمها الاعتمال بشعرية الحداثة بوصفها تجديداً لا يطاول المضمون فقط، بل الشكل أيضاً على الرغم من أن غير تجربة أفضت معايرة الشكل فيها إلى ما يسمى بفكر الشكل، ذلك الذي استدعى ضروباً من تأويلات غير منتجة ولو جاءت من حقل ثقافي أكثر رحابة.

وفي راهن التجربة الشعرية الإبداعية التي تراكم حضورات أصحابها وصيرورات هواجسهم وتفاوت كفاءة محكياتهم الشعرية بحكم وعيهم لماهية الشعر والتجربة، إذ إن نصوصاً بعينها قد تحملنا على أصالة المغامرة الشعرية لاستنباط معنى التجريب، وصولاً إلى توسل كتابة قصيدة الرؤيا/المشروعة كما في تجارب المخضرمين من الشعراء الأفذاذ، إرهاصات الشعر السوري الحديث بتواتر أجياله، ونزوعهم إلى صوتهم الخاص، على الرغم مما قد يشوب بعض التجارب من حضورات لأصوات سابقة، لكن ذلك لا يعني أبداً نفي التجربة بمكوناتها الأولى ومحاكاتها والأدل في هذا السياق براءة بعض الأصوات ومحاولتها أن تعيد تشكل النص في الذائقة على المستوى الفردي أو الجمعي ومحاولتها التخلص من الأصوات السابقة عليها، ذلك أن التشكيل الشعري بهذا المعنى هو تشكيل التجربة ذاتها، أي بما يرهص فيها من علامات بادية أو هواجس مشروعة ستكون الحامل الأول للانفتاح محكياتهم الشعرية على المعاصرة والتقاط الجوهري في الشعر وبثه بطاقة خلابة، لا تغدو فيها اللغة وحدها بوصفها حاملاً، بل سينضاف إليها الوعي بماهية الشعر ووظيفته في خلق أكوان جمالية وإبداعية خالقة وحافزة على ما يعنيه الشعر في لحظتنا السورية الفارقة من أن يكون في أفق الرؤيا والحساسية المتجددة والتي لا تعني هنا على الإطلاق افتراقاً ناجزاً عما أسسه المخضرمون والرواد، بل استئنافاً نوعياً ما يميزه هو أصالة التجربة واستدعاء غير بعد معرفي يفيد خصوصية التشكيل على مستوى الصوت والفرادة واللغة والدينامية التي يبثها المعنى.

إن ما تبثه الأصوات سواء على مستوى مقاربتها للحداثة أي في نمط التفكير والتعبير، وعلى مستوى امتحان الذائقة هو ما يؤكد في مجال التلقي اختباراً نوعياً للحساسية الجمالية التي ينجزها الشاعر، ويذهب من خلالها إلى حواره الخاص مع جنسه الإبداعي أو إلى التجربة الشعرية بالمعنى العام، وهو ما يعني أيضاً في الراهن الإبداعي السوري أن التراكمية في المعنى الحداثي ستصبح قيمة مضافة إذا ما أضيف إليها أن الشعر في دلالته انفتاح الجنس الإبداعي على غيره من الأجناس، لكنه انفتاح واع بمسألتي: الخصوصية والفرادة وصولاً إلى الفضاء الثقافي العام، وهذا لا يحدث دون تغيير النظرة إلى ما يُكتب على أنه مغامرة بامتياز، وعلى المغامرة هنا أن تُبدي قدراً من الاستيعاء لخصوصية الشعر في المرحلة الراهنة، فضلاً عن تنوع الأداء بما يحمل من اختلافات ناجزة يتحسسها الخطاب النقدي في الصيرورة الشاملة للإبداع، وقراءته من داخل حركته لا بفعل الصورة المسبقة الناجزة عليه، ما يؤكد أن مقاربة جدلية الحداثة والتجريب –في هذا السياق- هي مقاربة مستقبلية للحضور الآخر للمبدعين بوصفهم شهود اللحظة الفارقة الأكثر دلالة على تجلياتها، والقبض على المشترك الإبداعي هنا، هو خط أفق مستقبل منشود تذهب إليه الكتابة الشعرية بأجيالها وأصواتها لتؤسس في الحاضر ما يعنيه المستقبل لمنجزات شعرية تبقى في الذاكرة أكثر، وفي الوجدان الجمعي ديمومة تحفر علاماتها.

أحمد علي هلال