ثقافة

كل محب للعربية مدقق لغوي

حين أقرت المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة فكرة إحداث يوم للغة العربية في عام 2010 اقترحت عليها من موقعي في دمشق أن يكون شعار الحفاوة الأولى بذلك اليوم هو: “كل عربي مدقق لغوي”. ثم عدلت العنوان وجعلـــته:”كل محب للعربية مدقق لغوي”. أتى التعديل حين تذكرت فضل سيبويه في تقعيد قواعد العربية.

أيد الفكرة بعض المعنيين، لكنها لم تتبلور في الوعي العام، بل إن البعض انتقدها إذ رأى فيها بابا لفوضى لغوية عارمة. رأى هذا البعض أن التدقيق اللغوي صنعة اللغويين، فلا يصح أن يفتح بابها أمام أي كان.

إلا أن التدقيق اللغوي يفرض نفسه على محب العربية، سواء كان اختصاصه اللغة أم لم يكن. ثمة حالات تجبر العادي منا في اهتمامه باللغة مدققا لغويا رغم أنفه.

أحببت ذات صباح التشاور مع الشخص الأول في نقابة مهنية. قرب المصعد علقت لوحة عليها إعلان هذا نصه بعد إدخال تعديل عليه لكي لا أفصح عن اسم النقابة: “الزملاء النقابيون والمراجعين الكرام”. لماذا رفع كاتب الإعلان النقابيين وكسر المراجعين؟ ليس علم الأمر عندي. إلا أن الحاسة اللغوية العادية خانت ذلك الكاتب، لا ريب.

لم أصل مع الشخص الأول في النقابة إلى الموضوع الذي أحببت التشاور معه فيه، إلا بعد أن أصدر أمره بإزالة الإعلان وتصحيحه. سألني عن الصيغة المثلى للصياغة الجديدة. قلت: فليوحد الحركتين. إما الرفع وإما الكسر. كلاهما صحيح. في الرفع يكون التقدير انك تخاطبهم قائلا: “ايها الزملاء النقابيون”. وفي الكسر نبدو وكأننا نقول: “إلى …”. اقتنع وانتهى الأمر، وتقدمت معه إلى ما جئته لأجله.

بعد أيام وجدت نفسي في مكان قريب من النقابة. اقتربت من المصعد لأرى كيف تم تصحيح الإعلان. لم أجده. أزيل بالكامل. تم الاستغناء عنه كما يبدو. لعل القيمين على النقابة قرروا انه لا حاجة بهم إلى “وجع راس”، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

د. جورج جبور