ثقافة

موسيقا خلف وأبعادها في “ملذات شخصية”

صوت عجلات القطار الرتيبة أوحت بالكثير ضمن موسيقا الصراع المتأججة بالإيقاعات والمتزامنة مع حركات الأيدي، وهي تجعل من حقائب السفر محوراً لدوران الجسد بحركات تعبيرية إيحائية في إحدى لوحات العرض المسرحي الراقص “ملذات شخصية” على مسرح الأوبرا-تأليف وإخراج معتز ملاطية لي- فأخذت موسيقا رعد خلف موضع الحوار والمنولوج والديالوج -البوح للآخر-، فكانت نقطة تقارب تبوح بالمعاني القريبة مثل الفراق والتخلي عن الآخر، والبعيدة المصوّرة حال كثير من الشباب الذين يرفضون واقعهم معتقدين أن الحل بمغادرة البلد والهجرة هرباً مما يدور.

لتتابع الموسيقا الخطوط الدرامية لطبيعة اللوحات مع مهارة الراقصين على وقع المسار الموسيقي لعدة آلات إيقاعية مرتبطة بمجموعة آلات المؤثرات الصوتية المناسبة لوقع الحدث مع نغمات البيانو المشكّلة إحدى السمات الخاصة بألوان موسيقا خلف، المتنوعة بين أنماط الموسيقا الشرقية واللاتينية والإفريقية والسامبا والتانغو والراب والهيب هوب. المميز أيضاً بعرض ملذات شخصية تكرار اللحن الشرقي الحزين الذي يرمز إلى انكسارات على مستوى الذات من عالم يستهلك الجماليات إلى المعنى البعيد إلى ما يحدث على أرض الوطن، لاسيما في نغمات البيانو التي تزامنت مع سقوط الحبيب ومحاولة الحبيبة انتشاله من أوجاعه وجراحه ليمضي معها إلى الخشبة العلوية معاوداً المسير.

ورغم تنوع اللوحات واختلاف الموسيقا المرافقة مثل أغنية “إجيت ع الحارة لدخن سيكارة” الموحية ببعض مؤشرات الحياة الشعبية، وموسيقا التانغو والرقصات الثنائية في لوحة الكؤوس، والبار التي تدل على أحد جوانب الحياة، إلى الموسيقا الملازمة للأريكة الحمراء التي ترمز إلى صورة الأشخاص الذين يتخيلون صورة مغايرة للواقع فيقعون ضحايا أوهامهم، إلى الإيقاعات الصوتية بلوحة المظلة وتصاعد ضربات الدرامز، لتتوازى موسيقا خلف المرتبطة في اللوحة الأخيرة مع أزيز الرصاص وصوت صافرات الإنذار، لتقتحم موسيقاه مع إيحاءات الراقصين محاولة اختراق بعضهم الحاجز الفاصل، فينجح قليل منهم بتجاوزه، ويرتطم آخرون بأعمدته، في حين يتراجع كثيرون تعبيراً عن حالة العودة والبناء الداخلي للإنسان أولاً.

موسيقا خلف التي ترجمت معاني لوحات ملاطية لي التي أوحت بالمباشرة بمظاهر الحياة التي يسعى كثيرون للوصول إليها، والتي تترافق مع سلوكيات وانحرافات لا أخلاقية استفادت منها شريحة معينة لتعيش رفاهية الفساد الاجتماعي والحياتي، وظهرت بأشكال متعددة خلال سنوات الحرب، لنصل في نهاية المطاف إلى إضافة خلف نجاحاً جديداً لموسيقاه بقدرتها على تحريض المتلقي وإثارته لتخيّل الحدث، على غرار ما قدمه في إحدى أمسياته السابقة المتعلقة بمفردات ارتبطت بمؤلفاته للموسيقا التصويرية، وبمشروعه “قهوة” المستمد من موسيقا الشعوب، تكاملت في هذا العرض مع فنون الرقص المعاصر والسينوغرافيا والإضاءة الخافتة الموحية، والألوان كعنصر تعبيري والمجسمات للأشكال والوجوه المشوّهة والمزيفة التي تخفيها الأقنعة مع شريط الشاشة الخلفية لصور الإعلانات. لتشارك جميعها في إنجاح عرض “ملذات شخصية” الذي قدم بمناسبة يوم الرقص العالمي.

ملده شويكاني