ثقافة

بعد “حرية ولكن” طارق لبابيدي: نريد جمهوراً يستوعب رسائل العرض

بعد النجاح الذي حققته مسرحية “حرية ولكن” والتي أنهت عروضها مؤخراً على خشبة مسرح راميتا في دمشق، انتهت فرقة “لو” المسرحية من التحضير لعرض آخر قريباً، ويبيّن المخرج طارق لبابيدي أن الأزمة حرَّضته على تشكيل هذه الفرقة لتقديم عروض كوميدية سياسية، فكانت التجربة الأولى “حرية ولكن”، والثانية قيد التحضير، وهي تسلّط الضوء على الأزمات الداخلية التي ولَّدتها الحرب.

من السينما إلى المسرح

وللحديث عن التجربة الأولى “حرية، ولكن” يشير لبابيدي إلى أنه بالأساس كان الهدف منها سينمائياً للمشاركة في المهرجانات الخارجية، إلّا أن التكلفة المرتفعة لإنتاج الفيلم السينمائي دفعت أصحاب الفكرة لتقديمها كعرض مسرحي، وأوضح أن تحويل الفكرة من فيلم سينمائي إلى عرض مسرحي لم يكن أمراً صعباً، خاصة وأن الفكرة بالأساس مأخوذة عن نص مسرحي لكاتب عراقي، أراد أن يقول: إن بعض من ينادي بالحرية والإنسانية في جميع منابر العالم، إنما يفعلون ذلك للتستر على سياسات معينة وادعاءات كاذبة لغرس أفكار غير سليمة في الوطن العربي لتكون قضية كلب أهم من إنسانية العالم.

كوميديا سوداء

وفي عرض “حرية ولكن” تم الحديث عن الواقع السوري بتفاصيله عبر المدرسة الواقعية والكوميديا السوداء التي يمكن من خلالها إيصال الفكرة بطريقة سلسة للمواطن رغم قسوتها، ولأن الهدف الأساسي من الكوميديا السوداء إيصال الفكرة الأساسية للعرض، تجنّب لبابيدي الوقوع في فخِّ التهريج، وهو الذي يعرف جيداً أن شعرة رفيعة تفصل بينهما، وأشار إلى أنه لا يريد أن يأتي الجمهور ليضحك، ويتسلى فقط، بل لأن يستقبل رسائل العرض، ويفهم معناها، وهو يدرك أن ذلك كان أمراً ليس باليسير، إلّا أن النوايا الحسنة، والرغبة الصادقة مع الجهد المبذول من قبل الجميع منعته من الانزلاق نحو التهريج، فكانت الكوميديا المقدمة في العرض كوميديا الموقف والحدث.

 

المسرح السياسي

ولقناعته أن عروضاً كثيرة تحدثت عن الحرب وارتداداتها، وقد أُشبع الجمهور بذلك، تطرق في عرضه لموضوع يظن أن لا أحد تطرق إليه، وهو موضوع الحرية، وفهم البعض لها من خلال ما عاشه السوريون خلال فترة الحرب، وبيّن لبابيدي أنه لم يتناول مفهوم الحرية بشكل عام، وإنما فكرة الحرية من خلال ثلاث شخصيات: الجد الذي يمثل الجيل القديم، والحفيد الذي يمثل الجيل الحالي، وهما يعيشان في مكان ناءٍ بعيداً عن كل وسائل الترفيه والتكنولوجيا، ورغم الفجوات الكثيرة بينهما إلّا أنهما يعيشان بسعادة، ويبقى الوضع بهذا الشكل إلى حين قدوم فتاة شابة جميلة بصحبة كلبها المدلل، والمرسَلة من قبل منظمة دولية بهدف تغيير نمط حياتهما وتعليمهما الحرية لإخراجهما من هذا المكان المنعزل، وحين يتسمم كلبها من طعامهما تجتمع المنظمات الدولية لاتخاذ قرار بحقهما وإعلان الحداد لمدة أسبوع، ضمن شروط معينة تذلهما باسم الحرية كرمى عيون الكلب، وفي اليوم السابع يأتي خبر موت حبيبة الكلب حزناً عليه، فيمدَّد الحداد، وهكذا نرى أن الحجة دائماً موجودة للاستمرار في غرس الأفكار السيئة، لتنتهي المسرحية بتوجيه رسالة لضمائر الشعوب بأن يكون الإنسان في كل العالم أفضل من أي شيء آخر، ولا يخفي لبابيدي أن عرضه ينضوي تحت مسمى “المسرح السياسي” الذي يتناول أحداثاً سياسية معينة، وقد كثر هذا النوع من المسرح في الوطن العربي منذ أحداث العراق، ونوّه إلى أن الكثير من العروض السورية تُقدَّم ضمن هذا المسمى إلّا أن أصحابها لا يسمونها كذلك، لذلك حرص على أن يكون عنوان العرض سياسياً وبشكل مباشر، أما في تفاصيل تناول الموضوع ضمن العرض المسرحي فقد ابتعد نوعاً ما عن المباشرة، باستثناء النهاية التي كانت عبارة عن رسالة مباشرة تم توجيهها من فريق العمل إلى ضمائر العرب النائمة.

المسرح الخاص

ومع غياب العروض المسرحية الخاصة في سورية في ظل الحرب، وعدم وجود مصادر تمويل لها، يؤكد لبابيدي قيام بعض الشركات الخاصة بتحمّل تكاليف الحملة الإعلانية، إلى جانب الدعم الذي قدمته المؤسسة العربية للإعلان، ولا يخفي أن إنتاج عرض مسرحي حالياً يكلّف جداً، وأن صعوبات عديدة واجهته، وقد استطاع تخطيها، وخاصة على صعيد توفر مكان من أجل البروفات، ولفت إلى أنه حاول أن يتعاون مع عدة جهات، إلا أن قوانينها لا تسمح بهذا التعاون، وتمنى في عمله الجديد أن يتحقق هذا التعاون، موجهاً الشكر للجهات الخاصة التي تعاونت معه ودعمته في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها بلدنا، والتي جعلت بعض الجهات الخاصة ترفض تقديم الدعم، واستغرب قيام البعض بدعم الحفلات الفنية بمبالغ هائلة، في الوقت الذي لا يدعمون فيه عملاً مسرحياً ثقافياً!.

ويأسف لبابيدي لأنه ومع تراكم السنوات تشكّل رأي عند الجمهور بأن العمل المسرحي الخاص هو عمل رديء، مع أن الدلائل تشير إلى أن المسرح الخاص في فترة ازدهاره قبل سنوات الحرب قدّم العديد من التجارب الناجحة، والتي كان لها جمهور كبير، ومسرح الأطفال الخاص أكبر دليل على ذلك، حيث تشهد عروضه إقبالاً جماهيرياً كبيراً، لذلك يرى لبابيدي أنه من الضروري دعم المسرح الخاص لإعادة نشاطه، وتعويد الجمهور على وجود عروض له، وتدريجياً سيكتشف أن هذه العروض فيها ما هو جديد، طالباً من الجميع التعاون على هذا الصعيد لخلق حركة مسرحية نشطة من قبل القطاعين العام والخاص بهدف النهوض بمسرحنا بكل أشكاله، ويستغرب لبابيدي من أن جمهور المسرح القومي، والذي يعتبره جمهوراً، ينتمي لشريحة معينة يرفض حضور ما يقدمه القطاع الخاص وفق فكرة مسبقة تشكّلت لديه، في الوقت الذي قدّم فيه لبابيدي عرضاً مسرحياً محترماً وبالفصحى، إضافة إلى أن غياب الجمهور عن القطاع الخاص له علاقة أيضاً بالظروف التي نعيشها، والتي لا تجعل أحداً يغامر بأن يذهب للمسرح التجاري ليلمس جودة ما يقدمه، وهو لن يدرك ذلك إن لم يحضر ويتابع.

فرقة “لو”

وعن خصوصية التجربة الأولى، يشير لبابيدي إلى أنه سبق وعمل كمصمم إضاءة وسينوغرافيا مع عدة فرق، منها فرقة “ماريونيت” التي شاركت في العديد من المهرجانات، كما أنجز مع مجموعة من زملائه عدة عروض بأدوات بسيطة، ومع هذا فقد كانت تجربته “حرية ولكن” تجربة صعبة كونه أصبح مسؤولاً عن عمله من ألفه إلى يائه في ظل الكثير من الصعوبات التي واجهته، ويأتي في مقدمتها تغيير الممثلين المتكرر لأسباب مختلفة، والتي كانت تعيد العمل في كل مرة إلى نقطة الصفر، إلى جانب عدم وجود مكان محدد لإجراء البروفات في ظل انشغال المراكز الثقافية بأنشطتها، ونوّه إلى أن جميع المشاركين في العمل هم من الممثلين الهواة، والكل عمل بكل طاقته وحماسه لتقديم ما هو أفضل، وأوضح أن فرقة “لو” تتألف من: طارق لبابيدي مخرجاً، ورنا عبد الهادي كاتبة، ومن الممثلين: سمير اللوجي- دلال عمران- عمر أبو الفضل، وأبواب الفرقة مفتوحة لكل من يرغب بالانضمام إليها.

أمينة عباس