ثقافة

عراك مع الحياة .. عراك مع الموت

في بداية الشهر الحالي وبلغته المحلية كتب الروائي الأفريقي كاريل شومان نصه الأخير، يؤكد فيه على أنه قرر بملء إرادته الامتناع عن الطعام والشراب أملاً منه في إنهاء وجوده بين الأحياء، إذ هو لا يرغب أن يكون عجوزاً أكثر مما هو عليه: “لقد بلغت من العمر ما يكفي لأدرك أنّني لا أريد أن أكون عجوزاً. قرّرت منذ سنوات أن أنهي حياتي، أو على الأقل أن أحاول. محاولتي حين كنت في الـ 75 من عمري باءت بالفشل، لكنني الآن صرت في الـ 77، وبات من الضروري التطرّق إلى الموضوع بطريقة مجدية فيما ما زلت أتمتع بحركتي الكاملة وحريّتي الجسدية والصفاء الروحي لأتخذ قراراً منطقياً في هذا الشأن”.
كاريل المعروف من خلال أعمال روائية خيالية نالت العديد من الجوائز العالمية، إذ حاز جائزة هيرتزوغ الأدبية لثلاث مرات وذلك خلال الفترة مابين الأعوام 1971 و1995، لديه أكثر من 20 عملاً أدبياً، وعشر سير ذاتية عدا عن أعمال روائية بلغت الـ19رواية.
شومان أوضح في نصه الذي أودعه محاميه أسبابه للمغادرة، ولكنه ترك أسئلة تراود الكثير ما الذي يدفع البعض لاستعجال الموت وهو قادم في وقت ما، إذ رغم استماتة الكثيرين للخلود لم يذكر لنا التاريخ البشري من كسب معركة في سبيله.
ضغوط الحياة اليومية يمكن لها أن تشكل أسباباً موجبة للبعض،  كتب المؤرخ اليوناني هيرودوت يوماً: “عندما تكون الحياة مضنية يكون الموت ملاذاً يسعى إليه المرء”. ترى كم هي مضنية ومتعبة حياة الأدباء والمفكرين حتى تدفع بالعديد منهم ليسعى خلفه.
أكوتاغاو الكاتب الياباني اختار يوماً أن يذهب في نوم عميق لا استفاقة منه إذ باتت الحياة موجعة عنده: “العالم الذي أعيش فيه الآن كون جليدي شفاف، أنا بالطبع لا أرغب في الموت لكن البقاء على قيد الحياة بات موجعاً”.
الحياة أيضاً أوجعت الفنان الفرنسي جولز باسكن فغادرها طوعاً ولم يعد فيها من جديد يدفع سيرجي إيزنين للتمسك بها فكتب:
الوداع يا صديقي الوداع
الوداع يا صديقي بلا مصافحة ولا كلمات
لا تحزن ولا تقطب جبينك
ففي هذه الحياة لا جديد في الموت
لكن طبعاً لا جديد أيضاً في أن تعيش
يبقى أرنست همنغواي وعائلته التي ابتليت بتلك الرغبة القاتلة الأكثر شهرة عالمياً إذ بقي مسكوناً بهذا الهوس: “أعتقد أني سأبقى راغباً بالموت دائماً” هكذا كان يخاطب حبيبته، جرفته تلك الرغبة وانجر خلفه فيما بعد خمسة من أفراد العائلة. ليكون خليل حاوي الذي اقتربت ذكراه الأبلغ تأثيراً، اختلطت في رحيله مزيج من كل المشاعر الإنسانية إذ امتلك شجاعة إطلاق الرصاصة الأخيرة تلك التي يدّخرها الجندي منعاً لوقوعة بين أيدي عدوه، فيخرج إلى شرفة المنزل والإسرائيليون على أبواب بيروت، يسدد بندقيته إلى رأسه، يطلق النار معلنا احتجاجه على خراب يعم البلاد ويأساً من خلاصها ولا مخاض يبشر بولادة الأمل!
أغمض عينيك على رماد.. هكذا خاطب صاحب “بيادر الجوع” نفسه قبل الجميع!
أغمض عينيك على رماد
أغمض عينيك على سواد
تغوص في أرض بلا سريرة
غصاتك المريرة.
من ذاك الذي قال: “يقرص الموت أذني كل حين ويقول لي: عش حياتك إني آت آت”، حتى يستمع إليه حاوي، من يمتلك الأجوبة، أتراه هزمه اليأس والمرارة؟ غالب الموت فأذعن له؟ أو أنه غالب الحياة فانتصر عليها”.
بشرى الحكيم