ثقافة

اتق الألم فأنـــــت في الأربعين..!

وإن جاءتك خمسة عروض مستعجلة للزواج المتأخر.. وإن كان الحب مازال يأتيك كالألم الشهري.. وإن تأخرت إصابتك الوراثية الحتمية بالسكري وبقي الأسود في شعر راسك هو الغالب.. وإن أصبحت صديقة فيسبوكية نشطة أغلب الأوقات لشاب كان ذات يوم طالباً لديك لكن الحرب كبرته على حين قهر.
أنت واقفة على حافة هاوية الأربعين، مثل استراحة طائر على غصن ظليل يود أن يبقى حتى يكتمل غناءه وعينه على صبي يقترب من الشجرة، يحمل عصا كأنها سلاح، وكأنها ناي.. ويفر الطائر يلوذ بسمائه لأنه لا يعرف عن العصا إلا أنها سلاح..وها أنت الآن على الغصن الظليل لم يكتمل غناؤك وقد هرب الصبي وسقط الناي، فأنت معذورة لا تعرفين عن الناي إلا أنه كالعمر الذي بين يديك قصبة جوفاء وحسب..!
أنت الآن في الأربعين تملكين كل هذه الأيام ولكن بلا خبرة كافية لديك للعيش في هذا العمر الفضفاض على أمثالك.. فحين كنت طفلة كان طموحك أن تتجاوزي الثلاثين بأيام أُخر، وكل من يعرفك كان يتوقع أن تصعدين إلى السماء في حادث سيارة في شوارع دمشق حيث كنت تمشين مبهورة بقدها المياس وبازدحامها بكل شيء إلا بك..
والذين رأوك في حب العشرين توقعوا أن يستكمل اسمك مجانين هذا العصر بلا منازع..
كل شيء كان ينبئ بمغادرة الرواية قبل صحو المؤلف.. كل غياب كان حاضراً إلا أن تصلي للأربعين، لكنك وصلت.. وها أنت تبحثين في العادات والكتب والأحاديث والنافذات الزرقاء وفي عيون المارة عن دليل للحياة في الأربعين.. وهذه هي الحروب من حولك الآن تؤرخ عمرك بالأيام والأحداث، فقد كبرت مثلاً أسبوعين بعد الأربعين يوم وقعت مجزرة في مكان ما في شرق بلادي، وتزامن نموك مع تفجير لسيارة مفخخة في مكان ما غرب بلادي أيضاً، وخُطف شاب وقُتل آخر في ظروف غامضة في الشمال مع مراعاة فارق التوقيت فقط..
إذً أنت الآن واقفة على باب الأربعين، حائرة بأي قدم ستدخلين فقد خسرت روحك اليمنى واليسرى دفعة واحدة..
أصلاً وصلت مصادفة، قطعت هذا الشوط الطويل والممل والمثقل بكل أنواع الهموم  مع القليل من الفرح بين الأشواط المتتالية.. وقد أعانك فضولك على احتمال إكمال الرواية التي لابد يبدو من إتمام فصولها..
ولأنك دائمة البحث عن مبررات للحياة.. ولأنك ما عدت تخجلين من كل هذه الحرب التي تقيم منذ عمر عند باب روحك.. ولأنك لم تموتي حتى الآن بقذيفة عمياء وصلت إلى عتبة الأربعين، فأرجوك لا تنسي كلمة السر الغريبة العجيبة، دوّنيها على جدار قلبك وردديها في مطلع كل صباح لتبقين على قيد هذه الحياة، فنحن جيل الموت بكل امتياز..!.

لينا أحمد نبيعة