ثقافة

الطرفة ورمضان

لطالما كانت الطرفة هي الحمّالة الحقيقة للنقد الاجتماعي والسياسي والديني “الثالوث المحرم” إن كان من خلال فن “النكتة” الرشيقة بطبعها والقادرة إلى الولوج إلى مكامن النفس واستثارة مناخاتها المتعددة حسب الغاية منها، أيضا هناك الطرفة القائمة على المفارقة، مفارقة العام والسائد بما هو عكسه تماما لفظيا، ولكن ببراعة لا يقدر عليها إلا المحنكون في هذا من شعراء وأدباء وفلاسفة، فهؤلاء الأقدر على هذه الصياغة، لقدرتهم على الربط ولو بالتلميح إلى ما يريدون إثارة زوبعة الرأي فيه، أو طرفة الموقف أو كوميديا الموقف، والتي تحدث دون سابق قصد، فتترك أثرا طريفا يبقى في الذاكرة الشعبية والوجدان الجمعي، الذي يتناقله من جيل إلى جيل.
وبما أننا في الشهر الكريم، فلا بد من بعض الطرف التي تناولت يوما ما، المثالب الاجتماعية في الحياة اليومية، ومنها بطبيعة الحال ما يجري في “رمضان”.
-قيل لبعض الحمقى كيف صمتم في رمضان؟ فأجابوا اجتمعنا ثلاثين رجلاً فصمناه يوماً واحداً.
-دخل أحد الفقراء على أحد الخلفاء في إحدى الليالي الرمضانية وهو يأكل فدعاه الخليفة ليأكل فقال، إني صائم يا أمير المؤمنين فسأله هل تصل النهار بالليل؟ فأجابه لا ولكني وجدت صيام الليل أسهل من صيام النهار وحلاوة الطعام في النهار أفضل من حلاوته في الليل.
-كان بعض الناس من الطبقة البرجوازية في دمشق لا يصومون في رمضان ولكنهم يراعون الجو الاجتماعي العام فلا يُجاهر احدٌ بعدم صيامه في الأماكن العامة أو أمام الناس.
اجتمعت الحكومة السورية ذات يوم من أيام شهر رمضان المبارك عام 1945، وكان بين الحضور وزير الدفاع أحمد الشرباتي ووزير العدل سعيد الغزي ووزير الخارجية جميل مردم بك، وجميعهم مفطرون ومعظمهم يرغبون بالتدخين واحتساء القهوة. وفي الاجتماع، وحيث لم يكن أحد من أعضاء الحكومة صائماً، ضجر جميل مردم بك وقام بالاتصال بعامل البوفيه وقال: “الله يرضى عليك يا ابني، ١٣ فنجان قهوة للرئيس فارس بيك الخوري!.
– جاء رجل إلى فقيه، فقال: أفطرت يوماً في رمضان. فقال له الفقيه: اقضِ يوماً مكانه. قال: قضيت، وأتيت أهلي وقد صنعوا “مأمونية” (نوع من الحلوى الفاخرة)، فسبقتني يدي إليها، فأكلت منها، قال الفقيه: اقضِ يوماً مكانه.
قال الرجل: قضيت، وأتيت أهلي وقد صنعوا هريسة، فسبقتني يدي إليها. فقال الفقيه: أرى ألا تصوم بعد ذلك إلا ويدك مغلولة إلى عنقك.
– في أحد أيام رمضان، قال أبو نواس يهجو الفضل، وكان بخيلاً:
رأيت الفضل مكتئباً         يناغي الخبز والسمكا
فأسبل دمعـــــة لمـــــــــــــّا              رآني قادمــــــــاً وبكـــــــــــــى
فلمــــّا أن حلفــــــــــت له           بأنّـــي صــــائم ضحكـــا
وقيل إنّ صائماً دخل قرية في رمضان، فرأى كلّ من فيها يأكلون نهاراً. استغرب الأمر، وقال لهم: أما عندكم رمضان؟!، قالوا: بلى، ولكن شيخنا يصوم عنا.
فذهب إلى دار الشيخ مستغرباً، ودخل وكان الوقت نهاراً، فرأى أمام الشيخ سفرة طولها كذا ذراعاً، وعليها ما لذَّ وطاب من المآكل، والشيخ يلوك الطعام، فقال: شيخي، علمت أنك تصوم عن أهل البلد؟! فردّ الشيخ قائلاً: يا جاهل، من يصوم عن أهل بلد، أَلَا يتسحّر مرّة كلّ نصف ساعة؟

إعداد: تمّام علي بركات