ثقافة

الوطن في مجموعة “رقص الدمع” الشعرية

يبدو الشاعر نبيه عبد الحميد حسن في مجموعته الشعرية “رقص الدمع” مسكونا بثلاثية الوطن والإنسان والحبيبة، والتي تقود جميعها إلى معنى واحد. لأن الإنسان القادر على الحب، قادر على التضحية، كما أن الحبيبة الأنثى والحبيبة الأرض لهما المعنى ذاته، ولا يكتمل احدهما بمعزل عن الآخر. لذلك نجد الشاعر نبيه عبد الحميد حسن ينشد للحجر الذي رفع مجد الأمة- هذا الحجر الذي تحول في يد الطفل إلى معجزة:/المجد للحجر…/لصبية… لطفلة… / يدونوا تاريخهم…/ بالدم والحجر ص46 يتميز هذا المقبوس بتقنية الفراغ، بهذا التنقيط على السطر الذي يترك مجالا للمتلقي للتوقع ولاكتشاف المضمر في النص. حيث سيكون المجد وهذا هو الأهم بالطبع للإنسان حامل الحجر: لصبية.. لطفلة. لهؤلاء المجد لأنهم مصدر الفخر. ثم يتابع: /غدا أخي ميعادنا/ ليرحل الغجر.. /. إن جملة ليرحل الغجر دليل قطعي على إيمان الشاعر الحتمي بان هذا المحتل سيرحل لأنه كالغجر بلا جذور.
ويتجلى الإيمان بحتمية النصر في نهاية القصيدة: /المجد في الأعالي/لله…/ والحجر…/. إذن الله سبحانه مع فعل المقاومة وليس مع الذل والاستسلام.
وفي قصيدة (فدائية ص49) يتقمص الشاعر الحالة الجوانية لفتاة فدائية تعيش حالة من الطهرانية ونكران الذات، وتبدو وكأنها فتاة مختلفة عن بنات جنسها، فهي مشغولة بهموم وطن محتل، وليست مشغولة بما يشغل البنات عادة من قصص الحب ومواعيد الغرام. لقد استطاع الشاعر نبيه عبد الحميد حسن التقاط مشاغل وهواجس هذه الفتاة التي اختارت أن تكون فدائية: / فدائية…/ وآسفة../ في هذا المقبوس نقل لصوت الفتاة الفدائية في تعريفها بنفسها- هذا التعريف الذي يبدو للوهلة الأولى صادما ومثيرا للدهشة والتساؤل. هل هي آسفة لأنها فدائية؟ لكن تزول الدهشة حين نعثر على الجواب المؤجل الذي استخدم فيه الشاعر تقنية الفراغ، إلى أن تقول: /وعندي موعد في القدس/ في يافا.. وفي الرملة…/ هنا ينحل لغز الأسف. هي آسفة عن مواعيد البنات المألوفة لأن موعدها الأهم مع الوطن. هي باختصار منذورة للدفاع عن الوطن وهذا هو موعدها الأهم: / أنا الرشاش يعشقني/. إذن عشيقها من نوع آخر.
أيضا في مجموعة “رقص الدمع” الشعرية يتجلى الارتباط بالجذور، وفي هذا التماهي حد الذوبان، حيث نجد ثنائية الحبيبة والوطن:/ ما عدت أسأل يا ملاكي/ تأكدي/ أني أجن من سؤال الأغبياء/ يا ياسمين الشام / لست مفارقي/ هل غبت / حتى اشتهي منك اللقاء؟ص65/. أليست هذه مقولة الوجود؟ الحبيبة أبدية كياسمين الشام، وربما الحبيبة هي ياسمين الشام ، احدهما يتقمص الآخر. وفي “رقص الدمع” لا تغيب الروح الإنسانية العميقة التي ترى الأنا في الآخر. ليس هناك ما يسمى برهاب الآخر طالما الآخر يعيش فينا ويسكننا ويتجسد هذا الوعي بالآخر فيما يلي:/ أرى كل الوجوه كوجه أمي/تناديني حبيبي تدنو مني/تقبلني على ألمي فيشفى ص91 /.
وتتجلى اللوحة الإنسانية في “رقص الدمع” حين حاول الحفيد التمرد على الجد، على الجذور ، في لحظة نزق عابرة: / من يلجم الرياح… مشرد/ وبيتي قديم/ بناه جدي دونما تاريخ/ دفنت فيه أربعين عاما/ سئمت من جدرانه ص81 . لكن ماذا كانت نتيجة هذا التمرد؟ /مطر… /ثلج…./ ظلام…/ نوح أغصان/. كانت النتيجة الضياع- ضياع هذا الحفيد حين حاول الانقطاع عن الجذور. وأدرك الحفيد ذلك متأخرا، وكان الدرس حين تذكر قول الجد: / موتوا مثل الشجر وقوفا  ص89 /.
أخيراً، يقيني أن شاعرا يتقمص الآخر الإنساني، ويرى صورة الآخر فيه، لا بد أن يكتب شعرا إنسانيا طافحا بالروح وهذا ما قام به الشاعر نبيه عبد الحميد حسن.
* “رقص الدمع” مجموعة شعرية للشاعر نبيه عبد الحميد حسن صادرة عن دار إياس- طرطوس 2002.
عماد الفياض