ثقافة

المونو دراما و القصة القصيرة

كلمة مونو باليونانية تعني (واحداً)  وهذا يعني أن العبء كله يقع على عاتق الممثل الوحيد, وأن المشاهدين لن يتابعوا إلا أفعال وحركة وأقوال هذا الممثل الذي عليه أن يملأ فضاء المسرح, ويشد الجمهور إليه عبر الحوار المسرحي، ولغة الجسد والإيماء والإشارة والتعبير والموسيقا.
هناك اعتقاد خاطئ مفاده أن البعض ظن بأن المسرحية المونو درامية هي قصة قصيرة, فكتبوا مونو دراما بناء على هذا الاعتقاد، مما جعلها لا تمت إلى هذا الفن بصلة، وبالتالي لم تقنع الجمهور. والحقيقة إن فن المونو دراما شكل له شروطه الفنية وخاصيته وتميزه, انه صورة متطورة ومتقدمة عما كان يرويه الراوي أو الجد أو ما ترويه الجدة, ولكن هذه الصورة طرأ عليها تغييرات كثيرة مما يجعل القول: إن المونو دراما فن خاص له أبعاده وسماته. هذا ولابد من الإقرار بأن المسرحية المونو درامية تقترب من فن القصة القصيرة, ولكنها ليست قصيرة لأنها تعتمد على تفجير الدراما من خلال السرد والحركة والمونولوج والحوار الذاتي الذي يحاور مجموعة من الشخصيات المتخيلة.
إن خيطاً رفيعاً يفصل بين القصة القصيرة والمونودراما, ولكنه فاصل يعترف به كونه يميز شكلاً فنياً من آخر, خاصة إذا ما علمنا بأن السرد القصصي الذي يعتمد على اللغة العادية لا يصلح للمونودراما التي تحتاج وبشدة إلى سرد يميل إلى الشعرية والشاعرية.
لا يمكن القول إن هناك علاقة وشيجة بين فن القصة القصيرة وفن المونودراما, وكثيراً ما يقع المرء في مصيدة القصة القصيرة وهو يبغي كتابة المونودراما. ذلك لأن فاصلاً دقيقاً يفصل بين الفنين، وإن أي اندماج مع هذا الفن أو ذاك يؤدي إلى الخلل. وهنا نشير إلى أن لغة القصة تختلف تمام الاختلاف عن لغة المونودراما, فيما تميل لغة القصة إلى السردية والوصف والشاعرية نجد لغة المونودراما تحصر نفسها في اللغة الدرامية التي تُفجّر الحدث وتوصل الهدف إلى الجمهور, وتحرص هذه اللغة على مستوى معين، فهي ليست رفيعة من نوع الأدب العالمي, كما أنها ليست مبتذلة, فإنه ليس من أهداف القصة القصيرة التركيز على الفعل المسرحي, صحيح أنها تشارك المونودراما في الاهتمام بالأحداث، إلا أن الفعل المسرحي خاصة من خصائص المسرح, ولذلك فإن المونودراما من أولى أهدافها خلق الفعل المسرحي من خلال تفجير الحدث من الحوار, والحوار من الحدث – كما أن المونودراما تهتم بالتداعي بحيث يولد تداع من تداع آخر عبر مجموعة مشاهد يربط بينها خيط درامي يثير انتباه المشاهد ويشده إلى النص, وإذا كانت القصة تعتمد على التداعي أحياناً إلا أن توليد التداعي ليس مشروطاً فيها والربط الدرامي نادر. إلى ذلك تسعى المونودراما إلى إبراز جوهر شخصية ما فترسمها من الداخل والخارج عن طريق المونولوج الداخلي، معتمدة في ذلك على الفعل المسرحي الذي لا يوجد في الفن القصصي. والمونودراما تهتم ببناء الشخصية عن طريق الصراع بحيث يربط المؤلف بين لغة الحوار وإيقاعات النفس الداخلية و ما فيها من هموم وطموحات وآمال بشكل يدهش ويثير.
إن المونودراما تتضمن بوحاً آسراً, لأن فيها تعبيراً عما يختلج في النفس من مشاعر, إنها تجاوز للتقليدي والعادي ومحاولة للدخول في المبهر والمؤلم والمفرح، وبناء على ذلك يأخذ السرد مداه, وتبرز معاناة الأنا بأعمق صورها ويُعبّر الفرد عن أحلامه وآماله من خلال صراع نفسي بليغ وحدث درامي مُلّح. في المونودراما نقد ذاتي ونقد موضوعي, وفيها تركيز على استقطاب وجدان الجمهور والسيطرة عليه لخلق نوع من التعاطف والمشاركة. والمونودراما غير فن القصة القصيرة, وعندما ينفرد الممثل بنفسه على خشبة المسرح يحاورها ويناجيها ويكشف جوهرها وخباياها, آلامها وآمالها, فإنه يبدأ حديث النفس للنفس, قد ينجح أو يفشل, لكنه في النهاية يعكس صورة الإنسان باحباطاته أو نجاحاته, وبهذا تشكل مسرحية المونودراما قصيدة بالغة التأثير لها سماتها زمنيا ومكانياً وإنسانياً.
إبراهيم أحمد