ثقافة

حكاية عيدي المتشظية

يقول العيد:
مرة، اشتدت بي أناشيد الشرود، فانفلتت لازمة اللهيب وطفولة الموعود.
مرة، غافلني طيركم، فانقبضت بغصة الملتاع قضبان أحداقكم.
مرة، خربشتُ زمناً على رصيفٍ مكابر، فركضتْ سويعاتي كالحفاة، لتشقَّ ذكريات فرحكم العابر..!
مرة، دهمني غباركم، فاصطكت أسنان الرفوف ورقصت طاعة الحروف..!
مرة، وقفتُ بدرب الشمس، فانهالت عليّ سهام ظلكم والأمس..!
مرة، كان العناق بعيداً، فارتجف برزخ العطش جليداً.
مرة، اختصرتُ أحلامكم في المنام، فازدادت مشقّة حقيبتي في الزحام..!
إذن، كونوا لي كالأراجيح كي أمحو سنين التجاعيد..!
ولا تتأخروا على موعد الطين، أخاف ارتطام الصلصال برصيف الملامح ودمعة الحزين..!
هو المخاض، صراخ يعلو انصهار العناق، نزف معنى ومجرى يبتهل لهامات الانعتاق..!
ترقبٌ حذر، ودائرة تحلّق بالرجاء عالياً.
كل شيء صار نداء، والنداء صار كل شيء..!
تهرم أقدامي من غصة مسير خائف، وتبزغ أشرعة الأطياف.. نحتفل بالنشيد وبالجدوى وملامسة الأقدار.
ينبت على بسمتي صباح المناغاة المعشق بالأنين، مخبأ لسؤالي وشكي وترقبكم منذ ألف يقين.
إيه، ليس لي متكأ سوى البهاء وأنا أصرّ على مزاولة غرور النقاء. توشوشني البدايات، فأهمس بكل فيضي في فضاء النهايات.
كونوا كالصواعد والنوازل، كونوا كالتوبة، نرفع الغطاء عن ملاعب الحمام، ونطير نطير بالشدو، بالعناق.
نواكب الريح في مسيرة الهبوب، والعطش، وأزقة الشهور المحنّاة..
باغتوني مرة، كي أخلع قميص غفوتي وأسمعكم.
<<<
يا عيد الصبا.. أتسمع بحّة الناي..؟ هل تذكر كيف كنا وكيف صرنا..؟
في حروفك اليانعة توليفة ترنو للبعيد شكلاً.. ولكنها أدمت أراجيحك رغم الآه المولعة بيباب اليدين..!
أطّرت شدونا ونحن مازلنا نقفز بفرح وسرور على حافات التنهيدة..!
سيسألك الشرود.. كي تجيب باسم الغد.. كخاطرة على مرأى عاشق.. وستدسًّ حيرة الآخرين في فنجان الطلوع.
أيها العيد.. أقسم أنك لن تعرف الهدوء مادمنا على قيد الأمل، ففي نصوصي.. تفسير مختصر أطرب أصابع يدي.. وأرخى جدائل سبيل الحبر فينا، ودواتي تنظر بوحاً آخر يليق بالعين والياء والدال..!
يا عيد، أيها المتكئ على ضحكات التفاصيل، أنتظرك جداً هناك عند أول مفترق يأخذني إلى أحضان الغياب..!
يا عيد، الحنين يكررني، يمهل شهقتي ربع مسافة..يا ع ي د  يا سخيّ النبرة.. الزيزفون يواصل إنصافي، فيطلع من أسئلتي سراب مجلجل..!
تمنيتُ لو تكومتْ على غصن أساي زفرات الحفيف.. وصفوة النشيد تزف شراع الوشوشات من أقصى الصّبا إلى صليب الاشتهاء..!
تمنيت.. تأويل الضلوع.. ونسج المكان..!
ويلاه.. كم تمنيت..!
باسم حروفك الغافية على ومضات اليقظة.. سأسكب على همهمات البدء أوراقي معلناً بداية الدروب.. وفصول النجوى..!
ولكن، إن جئتك متأخراً فلا تغلق باب الأماني، فثمة شهقات تعلو أحلام البائسين..
فقراء.. ختموا آمالهم بصوت مسحور ودموع النشيد المهاجر..
هل ستعيد نسج أروقة الأمان.. ونحن على أعتاب دندنات حملت مقامات المواعيد..؟
متى ستفتح خلجان أحضانك.. ونحن خائفون من ردة فعل مباغتة تقلب ابتسامة الانتماء لك وحدك..؟
تعال، إلى ملاعبي كي نلعب “الطميمة”.. في باحة السؤال.. فمرة أناغيك، ومرة تسابق الجواب في حلة بلا مزركشات..!
سأعلق على جدار حلمي آثار شغفي وسأرميك بنظرات اشتياق.. صراخ ينتقل بين حنايا الرعش (أن تعال)..!
وحدي أقف وأحمل صور الغائبين و”كمشة” دموع.. سأمدّ يدي إلى مشكاتك.. وأقطف بضع زهرات من نور.
لا تغلق بابك.. فالانتظار محض سؤال.. وأنا في الردهة ألتمس السكينة.. أعجن من صلصال طفولة قلبي أقواساً لقزح قادم..!
تركتُ كل المسميات وتركتُ ليدي حرية العبث على هذي المساحات البيضاء.. فكلما خربشتَ لنا على جدار الوجد.. طيرتُ عصافير أسراري بعيداً بعيداً عن أسلاك المفارق.
يا عيد..في (عينك) تبزغ ابتهالات الشمس، ومن نوافذ (يائك) ينسكب بريق المناداة.. وفي “دالك” تتربع تقاسيم الكلام..!
تستفزني حكمة الأصابع حين تكتب على وجهين من سهر جنون التفاح وخلوة الضوء..
يرفُّ جفن الكلام.. فأغدو كبوابة عبور لبراعم منتقاة..
وعلى شدو العيد.. أسابق حبات الكرز ملهوفاً  لحوار النبض وفتنة النشيد..!
رائد خليل