ثقافة

بعد تألقها في “اختطاف”.. لوريس قزق مسافرة حرب

لم يكن عشقها للسينما وليد اللحظة التي عملت فيها وهي التي استهواها عالمها منذ الصغر، وتبيّن الفنانة الشابة لوريس قزق على هامش مشاركتها في فيلم “مسافرو الحرب” للمخرج جود سعيد أن عينيها تفتحتا منذ الصغر على أفلام المخرج السينمائي عبد اللطيف عبد الحميد، وقد كان الذهاب لدور السينما مع والدها كالعيد بالنسبة لها، تستعد له بالثياب الجديدة وبفرحة تملأ قلبها ما إن تجلس أمام الشاشة الكبيرة التي كانت تدهشها بما تغصُّ به من صور وأحداث.

خطير للغاية
ولا تنكر قزق أنها ومنذ طفولتها تنحاز وبشدة للسينما السورية التي قدمت روائع الأفلام ومنها فيلم “رسائل شفهية” الذي كان أول فيلم تقوم بمشاهدته في السينما، لتشاهد في مرحلة لاحقة وبتشجيع من أخيها الفنان وسيم قزق الأفلام العربية والأجنبية التي كان يعشقها ويقوم بمتابعتها، وحين التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية أحزنها أن منهاجه لم يشبع فضولها وحبها للسينما، إلى أن أنهى المخرج جود سعيد دراسته في باريس، وجاء ليكون مدرِّساً في المعهد، فمن خلاله تعرفت على ما هو جديد في عالم السينما وعلى تاريخ وتطور هذا الفن العريق، وأوضحت أن العمل في السينما خطير للغاية، فعبر الشاشة الكبيرة التي تسلط الضوء على تفاصيل التفاصيل في عمل الممثل يجب أن يكون الممثل حاضراً جسداً وعقلاً وبقوة، آخذاً بعين الاعتبار كل تفصيلة يجب أن يقوم بها عن وعي ودراية، وأكدت قزق أن العمل في السينما له رهبة كبيرة شبيهة برهبة الوقوف على خشبة المسرح.
دخلت عالم السينما من خلال المخرج محمد عبد العزيز في فيلمه “ليلى” وحينها تفاجأت بخصوصية العمل السينمائي وبالوقت الطويل الذي يستهلكه إنجاز مشهد واحد فيها وبطريقة الإنجاز، واعترفت أنها حاولت بنفسها وبهدوء اكتشاف أدق تفاصيل آلية العمل السينمائي، وتأسف قزق لأن فيلم “ليلى” المنجَز في العام 2012 لم يعرض حتى الآن، لتعيد التجربة السينمائية ثانية من خلال المخرج جود سعيد في فيلمه “رجل و3 أيام” وبتعاملها معه اكتشفت أن لكل مخرج طريقة وآلية عمل مختلفة عن الآخر، مبينة اليوم وهي تكرر التجربة معه في فيلم “مسافرو الحرب” أنه مخرج يبحث دوماً عن اللحظة والحس الآني للممثل أمام كاميرته، فهو لا يريد من الممثل التحضير المسبق لدوره، حتى لا يفقد حرارة حسه حرصاً على اصطياد الحس اللحظوي أمام الكاميرا بهدف الوصول إلى نتيجة صادقة وحقيقية.

صعب للغاية
ولأن جود سعيد في عمله مع الممثل كثير الارتجال أمام الكاميرا حيث لا سيناريو نهائي بين يديه يكتفي بتنفيذه تعترف قزق أن هذا الأسلوب من العمل الذي يتّبعه سعيد صعب للغاية بالنسبة للممثل، فبدلاً من أن يقوم بتحضير مَشاهده مسبقاً وتقديم أكثر من اقتراح يأتي وحيداً أمام كاميرا سعيد إلا من موهبته ليقدم أداء طازجاً وحقيقياً، وهذا يعني أنه يريد ممثلاً حاضراً دوماً ومستعداً لأي اقتراح يقدمه سعيد أمام الكاميرا، ونوهت إلى أنه لا يقوم بذلك حباً في اختبار الممثل، بل لالتقاط ما هو حقيقي وصادق منه، حيث السينما لا تقتات إلا على الصدق في الأداء والإحساس.
تكرر التعاون بين لوريس قزق والمخرج جود سعيد سينمائياً وتليفزيونياً، وذلك جعلها كممثلة تعرف أسلوبه وطريقة عمله، وهذا يسهِّل على الممثل والمخرج أموراً كثيرة، ولا ترى في عمل سعيد كمخرج بهذه الطريقة مغامرة للممثل وله، وقد يكون ذلك في أول عمل فقط، أما اليوم وبعد سلسلة عديدة من الأفلام التي قام بإنجازها بنفس الطريقة ونالت العديد من الجوائز، فهي لم تعد مغامرة بل طريقة عمل تسجَّل له كمخرج نجح في ترك بصمة خاصة به بين المخرجين.

نقلة نوعية
وبعد النجاح الذي حققته مسرحية “اختطاف” والمشاركة المتميزة لقزق فيها تشير إلى أن هذه المسرحية شكلت منعطفاً ونقلة نوعية لها في مسيرتها الفنية، فما قبلها لا يشبه ما بعدها بالنسبة لها، ولذلك تؤكد أنها اليوم تقف وتفكر ملياً بعد هذا النجاح الذي حققته من خلال أدائها لشخصيتها التي كانت دومينو المسرحية، وترى أن مسؤوليتها ازدادت اتجاه نفسها كممثلة تسعى للحفاظ على هذا النجاح والانتقال إلى مرحلة أخرى في مسيرتها الفنية، وحين تعود بالذاكرة إلى عروض “اختطاف” تشير إلى فضل العمل الجَماعي والتناغم والانسجام الذي كان سائداً بين فريق العمل في تحقيق هذا النجاح، إلى جانب القيادة المتميزة للمخرج أيمن زيدان الذي أفسح المجال لكل الممثلين لتقديم اقتراحاتهم بما يقومون به ضمن الإطار العام للحكاية والفرضية التي قدمها زيدان كمخرج.

علامة فارقة
وباعتبار أن “اختطاف” من المسرحيات القليلة التي عُرِضَت لعدة أسابيع وحضرها جمهور كبير وانتقلت إلى المحافظات الأخرى كطرطوس وحمص واللاذقية تشير قزق إلى أهمية هذه العروض التي كشفت عن تعطّش الناس لهكذا مسرح على صعيد الشكل والمضمون، وإلى تعطش جمهور المحافظات لمثل هذه العروض، وخاصة جمهور حمص الذي استقبل المسرحية بكل الفرح الذي كانت تفتقده هذه المحافظة، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على أن السوريين بشكل عام بحاجة لأعمال كوميدية راقية كـ “اختطاف” التي قدمت مضموناً سياسياً عميقاً بطريقة سلسة وبسيطة ومتقنة ومختلفة عما قُدم في عروض أخرى تناولت قضايا الحرب على سورية، وهذا ما يجعل لوريس قزق تقول أن “اختطاف” ستبقى المحطة الأهم لها وهي التي شكلت علامة فارقة في تاريخ المسرح السوري ومسيرتها الفنية.
أمينة عباس